PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : اللـغـة حيـاة



مالك الحزين
22-12-2013, 12:32 AM
.


هو عنوان مقال للأديب والناقد اللباني مصطفى علي الجوزو ، وهذا المقال بابٌ ثابتٌ في مجلة العربي الكويتية ، وقد أظهر هذا الكاتب شجاعة كبيرة في آرائه اللغوية ، بل إنه خطأ كثيرا من القدماء ، وتجاوز المعاجم في بعض الأحيان ، ودعى إلى التجديد في لغتنا العربية .

وسواء علينا اتفقنا معه أو اختلفنا فإن له رأيا قويا يدعمه بحجج رصينة ، ومما أعجبني من مقالاته ما سوف أنقله لكم في هذا الموضوع ، وفي الرد الثاني سأنقل لكم مقاله له لم يقنعني بقدر ما أعجتني طريقة استدلاله ومحاولته اقناع القارئ .




عسى المجمع أن يقرّ كلمة الدَّمْقَرة أو الدَّمْكَرة

أخذ العرب في العصور الحديثة عن الغرب مصطلح الديمقراطيّة، بوصفه مصدرًا صناعيًّا من صفة ديمقراط المعرّبة، مع أنّهم لا يستعملون هذه الصفة بل صفة ديمقراطيّ ومؤنّثها ديمقراطيّة. ولا فائدة في البحث عن زنة ديمقراط لأنّه اسم مركّب، والأوزان تكون للأسماء المفردة (البسيطة). وقد اختلف العرب في لفظ الكلمة، فجعلوها بلفظ دِمُقْراط، ودِيمُقْراط، ودِيموقْراط، ثم زادوا الياء عليها. ولا شكّ أنّ اللفظ الأوّل هو الأدنى إلى القبول، لقرب وزنه من وزن فُعاليل، كسُخاخين، أي سُخْنٌ (وإن لم يكن في العربيّة صفة غير هذه على هذا الوزن، كما يقرّر السيوطيّ في المزهر) وفَعاويل، مثل: سَراويل، وهي فارسيّة معرّبة، وليس في العربيّة ما يوازنها؛ ووزن منتهى الجموع: فَواعيل، كعَقاقير، ووزن الاسم المركّب: شَراحِيل؛ يليه اللفظ الثاني القريب وزنه من وزن الاسم المركّب المعرّب: إسماعيل؛ أمّا اللفظ الثالث فلا شيء يقاربه لكراهية التقاء المدّ والسكون في العربيّة (الواو والقاف الساكنة هنا)، ومع ذلك تصرّ بعض الصحف على استعماله وفرضه على من ينشرون فيها، وذلك إمعان في العُجمة.

ولم تتوقّف المشكلة عند لفظ الكلمة، فالشعوب تختلف في لفظ الكلمات الدخيلة، لأنّ كلًاّ من أفرادها يلفظها بحسب ما يلتقطه سمعه من حروفها، ويقيسها على ما يقاربها من أوزان لغته؛ فكلمة حَبْل العربيّة، مثلًا، أصبحت cable في الفرنسيّة والإنجليزيّة، على خلاف ما بين اللغتين من طريقة في اللفظ، قريبة أو بعيدة من طريقة اللفظ العربيّ؛ وكلمة episkopos (أَبِّيسْكُبُّس) اليونانيّة أصبحت أُسْقُفًا في العربيّة، وهكذا. بل تجاوزت المشكلة ذلك إلى الاشتقاق من الكلمة؛ فالفرنسيّون اشتقّوا من الديمقراطيّة فعل démocratiser (جَعَلَه ديمقراطيًّا أو أدخله في الديمقراطيّة) والمصدر démocratisation (يقابل ذلك في الإنجليزيّة كما هو معروف: democratize وdemocratization)، ولم أسمع أحدًا أو أقرأ له محاولة في تعريب ذلك الفعل، لكننّي سمعت تعريبًا للمصدر؛ فبعضهم عرّبه بلفظ دَمَقْرَطة، وكأنّه مشتقّ من فعل: دَمَقْرَطَ، وبعض آخر عرّبه بـ: مَقْرَطة، وكأنه مشتقّ من فعل: مَقْرَطَ. وغنيّ عن القول أنّ الفعل العربيّ يكون ثلاثيًّا أو رباعيًّا، ولا يكون خماسيًّا مجردًّا أو ما فوق ذلك، فما كان منه على خمسة أحرف أو ستّة فهو مزيد من الثلاثيّ أو الرباعيّ. ففعل دَمَقْرَطَ لا تقبله اللغة العربيّة، لأنّه خماسيّ مجرّد. أمّا مَقْرَطَ فهو رباعيّ مثل دَحْرَجَ، فله وزن عربيّ، لكنّ لفظة المَقْرَطة لاتقع في أذن العربيّ إلاّ على أنّها مَفْعَلة، أي اسم مكان أو مصدر ميميّ من فعل قَرَطَ الذي يعني: قَطّعَ الكُرّاث في القِدر، ويعني في العاميّة: عضَّ، أو أَعضَّ بأداة صُلبة لها شبه فكّين، كالذي نسمّيه اليوم كمّاشة أو كلاّبة، أو بشيئين صُلبين ينطبق بعضهما على بعض بقوّة، مثل مصراعي الباب أو ما أشبههما. والمعنى العاميّ ليس بعيدًا من الفصيح، ولعلّه لغة لم تسجلها المعاجم، لأنّ التقطيع يشبه العضّ. والقرب واضح بين قَرَضَ وقَرَطَ، في مخارج اللفظين وفي معنى القطع. المهمّ أنّ المَقْرَطة لفظ ملتبس، فضلًا عن أنّه لا يشتمل على الدال، التي في أوّل كلمة dêmos (داموس) اليونانيّة، ومعناها الشعب، ويغلب في التعريب عدم حذف الحرف الأوّل من الكلمة المعرّبة. وهكذا نكون بحيال تعريب غير مستساغ، وآخر ملتبس ومخالف للأعراف.

والسبب في كلّ هذه المشكلات أنّ كلمة ديمقراطيّة مركّبة، على ما سبق، من كلمتين ملصق بعضهما ببعض؛ أي أنّنا أمام اسم منحوت مكوّن من dêmos وkratos ويعني قوّة الشعب أو قدرته. ولتعريب ذلك الاسم الذي يخالف الموازين الصرفيّة العربيّة يستحسن التصرف بمكوّناته الأجنبيّة نفسها، لكن بما يلائم الأوزان العربيّة، وهذا لا يجافي المبدأ الذي قلنا به في مقالة سابقة، وهو أنّ النحت ليس صناعة متكلّفة بل اختزال عفويّ تفرضه كثرة الاستعمال والحاجة إلى الاقتصاد اللفظيّ.

إنّ المنحوت لا يشتمل على حروف الكلمات المؤسِّسة له كلّها، بل يغلب الاكتفاء فيه ببضعة أحرف من كلّ كلمة منها، وربّما بحرف واحد من بعضها، وربّما استُغني عن بعضها كلّه. ففي البسملة، مثلًا، نجد كلّ أحرف: بسم، وحرفًا واحدًا من اسم الجلالة: الله، هو اللام، مع إسقاط كلمتي الرحمن والرحيم. وقد رأينا في المقالة المشار إليها أنّ الأفعال المنحوتة كلّها رباعيّة، وهذا طبيعيّ لأنّ من الصعب على الثلاثيّ أن يحتمل اجتماع أكثر من كلمة؛ ولذلك فإنّ التعريب الذي نقترحه للمصدر المُشْكِل هو الدَمْقَرة، من الرباعيّ الافتراضي: دَمْقَرَ، الذي يشتمل على حرفين صامتين من الجزء الأول من التركيب اليوناني: داموس، وحرفين صامتين من الجزء الثاني منه: كراتوس، علمًا أنّ العرب يجعلون الكاف قافًا في كثير من تعريباتهم، ومن يستثقل القاف هنا فبوسعه القول: دَمْكَرة، باختيار كاف الأصل.

لقد تبدو هذه الصيغة بعيدة شيئًا ما من الكلمات الأوربيّة المأخوذة من الأصل اليونانيّ، بعد مرورها باللاتينيّة، لكنّ الاستعمال كفيل بتعويد الناس إياها، كما تعوّدوا استعمال كلمة الدرهم المأخوذة من كلمة دراخما اليونانيّة، مثلًا، وكما تعوّدوا كلمة القَسْطرة من katheter (كاثَتَر) اليونانيّة واللاتينيّة، وأشباه ذلك. ولا ريب أنّ المعرَّب الجاري على الأوزان العربيّة، أسهل استعمالًا من غير الجاري عليها، لأنّه ألصق بالعادات اللغويّة العربيّة، وهو لا يلبث، في الغالب، أن يكتسب الهويّة العربيّة، ككلمة الفلسفة والسُّنْدُس والأُرْجوان، وغيرها ممّا استُعمل بعضُه حتّى في القرآن الكريم، وعدّه بعضهم عربيّا، رافضًا اعتباره معرَّبًا. على حين أنّ البعيد من الموازين العربيّة يبقى غريبًا غير قادر على الاستعراب، وقلّما يألفه العربيّ، وكثيرًا ما يُستبدل به لفظ عربيّ أصيل، ولو بعد حين، كالذي حدث لكلمة الأوتوموبيل، على اختلاف لفظ الناس لها، إذ ما لبث العرب أن استعاضوا منها بكلمة سيّارة؛ والبيسيكلات التي لم تلبث الفصحى أن استغنت عنها بكلمة درّاجة. وكان بعض العامّة يقول سَوْجَرَ (بالجيم المصرية، وهو من السيجارة) بمعنى أَشْعَلَ لُفافةً، وصار الناس يستعملون دَخَّنَ، ودخلت كلمة التدخين في الاستعمال الفصيح.. إلخ. فالموافق لأوزان العرب أقدر على الحياة من غيره، والمترجم أقدر عليها من كليهما. ولا شكّ في أنّ ترجمة الكلمة موضوع مقالتنا بعبارة: الإدخال في الديمقراطيّة، أجمل وأسهل لأنّها بلسان عربيّ مبين.

ونحن في النهايّة نقترح كلمة دَمْقَرَة أو دَمْكَرة على المجمع اللغويّ في القاهرة عسى أن يدرسها ويقرّ استعمالها عند الضرورة الشديدة، فيساعد الصحافيّين والساسة، ويريح الشعب الذي يقرأهم ويسمعهم، مع تفضيلنا للترجمة المقترحة آنفًا..




مصطفى عليّ الجوزو

مالك الحزين
22-12-2013, 12:35 AM
ليس من الذكاء تخطئة كلمة غَباء


بعض المشتغلين باللغة عبَدة للمعجم، فما وجدوه فيه فهو الصواب الملزِم، وما لم يجدوه فهو الخطأ المحرَّم، وهذا قد يهون أمام نهيهم عن استعمال ما يشير المعجم إلى كونه قليلاً أو لغة خاصّة أو صيغة تفرّد بعض اللغويّين بإقرارها، ولو كان هذا القليل أو الخاصّ أو الصادر عن تفرّد هو الاستعمال الغالب اليوم، والممتدة جذوره إلى أكثر من ألف سنة.

سيفاجأ القارئ أنّني أتكلّم على المصدر «غَباء» الذي طفق أحد المهتمّين باللغة يخطّئ الصحافيّين والمذيعين والممثّلين الذين يستعملونه. وقد سبقه إلى ذلك أحد المصحّحين المؤلّفين في الأخطاء الشائعة، مع أنّه غير اختصاصيّ في الأدب واللغة، فزعم أنّ الغَباء هو ما خفي من الأرض وما ارتفع من الغبار، موحياً أنّنا إذا أردنا معنى القصور العقلي، نقول غباوة أو غبا. لكنّ من حسنات مؤلّف آخر في الأخطاء الشائعة أنْ ردّ هذا الزعم مشيراً إلى معان أخرى للغباء، وأورد عبارة لسان العرب: «غبيَ الرجلُ غباوةً وغَباً، وحكى غيره: غَباءً، بالمدّ». والحقيقة أنّ ابن منظور عرض لرأي أبي عليّ الفارسيّ في أن مصدر غَبِيَ هو الغباوة والغبا، وزاد أنّ غير أبي عليّ ذكر مصدراً آخر هو الغَباء. وهذا ردّ كاف، مبدئيّاً، لدحض المخطّئين، ويغنينا عن مناقشتهم، لكنّنا سنعرض، مع ذلك، للاستعمال أولاً، ثمّ للقاعدة الصرفيّة التي صيغ بمقتضاها مصدرا غَباوة وغَباء ثانياً، فالفعل ومصدره لا يخرجان من فراغ، بل هما نتاج عادات لغويّة راسخة.

الملحوظة الأولى هي أنّ المصدرين قليلا الاستعمال قديماً، ولم نجد لهما أثراً في القرآن الكريم ولا في الحديث الشريف، ولا في ما قرأناه أو راجعنا فهارسه اللغويّة من الشعر الجاهلي والأمويّ والعباسيّ، سواء في الدواوين أو في الموسوعات الأدبيّة واللغويّة مثل حَماستَي أبي تمّام والبحتريّ، وكتابَي الأغاني والعِقد، وخزانة الأدب للبغداديّ. ولعلّ أقدم نصّ ظفرنا به هو للجاحِظ، المتوفى سنة 255 هـ، في رسائله وفي كتاب الحيوان، يليه نصّ آخر للطبريّ، المتوفى سنة 310 هـ، في تفسيره. لكنّ العرب أكثروا في المقابل من استعمال كلمة حُمق ومرادفتيها أُحموقة وحَماقة؛ وبين الغَباء والحمق فرق؛ فالحمق هو اضطراب عقليّ كالغباء، لكنه يتبدّى في ضعف الرأي، ويفضي إلى سلوك غير متّزن؛ على حين أنّ الغباء يظهر في صعوبة فهم الأشياء واستيعاب الكلام والقدرة على معالجة الأمور، وقد يكون الإنسان ذكيّاً لكنّ فيه حمقاً، أي سوء تصرف؛ حتّى إنّ الأديب المشهور مصطفى صادق الرافعيّ اعترف أنّ فيه شيئاً من الحماقة، مع أنّه من كبار المفكّرين. فالغباء ضدّ الذكاء، والحمق ضد التعقل والرشد.

هذا يعني ببساطة أنّ مفهوم الغباء متأخّر، ولعله نشأ بسبب التيارات الجديدة التي طرأت على الفكر العربيّ في العصر العباسيّ، وكان فيها كلام على العقل وما يتّصل به من قدرات، وما يعتريه من عيوب. وفي الكلام على الغباء تقدّمٌ في الفهم النفسانيّ للتفكير؛ وهو يقع، في أرجح الظنّ، بعد زمن الاحتجاج اللغويّ، وهذا يمنح المستعمل الحديثَ بعضَ الحريّة، لأنّه يبقيه خارج حدود التقييد والمنع الصارم الذي يفرضه بعض المتشدّدين في اللغة، ويضمن له حق استخدام القواعد والأعراف اللغويّة التي تضبط أساليب الاستعمال، على طريقته، شرط أن يتّبع منهجاً علميّاً صحيحاً.

فماذا فعل الجاحظ، وماذا فعل الطبريّ؟ لقد استعمل الجاحظ كلمة غباوة نحو عشر مرات في كتاب الحيوان، ونحو أربع مرات في رسائله، من غير أن يستعمل كلمة غَباء أبداً. أمّا الطبري فاستعمل في تفسيره كلمة غباوة مرّة واحدة، وكلمة غباء نحو خمس عشرة مرّة؛ ويدلّ ذلك على تفضيله لصيغة غباء. وغنيّ عن القول إنّ الطبري لغويّ من الطراز الأول، وتفسيره مرجع في اللغة، ويُعَدّ من أهمّ التفاسير، إن لم يكن أهمّها.

لكن كيف اشتقاق المصدرين؟ إن القاعدة الصرفيّة تقول: إذا تطرفت الواو والياء بعد ألف زائدة تُبدَلان همزةً، ومن ذلك إبدالهما في وزن فُعال وفَعال وفِعال؛ فدُعاء، مثلاً، مبدَلة من دُعاو (لأن وزن فُعال من فعل دعا يدعو هو في الأصل دُعاو، وليس فيه همزة)؛ وشقاء مبدلة من شقاو (لأنّ وزن فَعال من فعل شقيَ يشقى، هو شقاو، فأصل الفعل شقِوَ يشقَوُ، وهو كسابقه لا همزة فيه)؛ وبِناء مبدلة من بِناي (لأنّ وزن فِعال من فعل بنى يبني هو بِناي، وهو أيضاً خلو من الهمزة). ففَعال من فعل «غَبِيَ» هو غَباء، كشَقاء من فعل شَقِي، وبقاء من فعل بَقِي، وخَفاء من فعل خَفِي؛ فاشتقاقه قياسيّ.

إلا أنّ الإبدال في وزن فعالة (بفتح الفاء وضمّها وكسرها) يختلف، لأن التاء فيه كالأصليّة، فلامه كالمتوسطة، ولا يقع عليها ما يقع للمتطرّفة من إبدال، بمعنى أنّ حرف العلّة الأخير منها يبقى على حاله، فنقول في فَعالة وفِعالة من فعل دعا: دَعاوة ودِعاوة (ولم يشتقوا منه دُعاوة، ويجوز أن تقلب الواو ياء في دِعاوة فتصبح دِعاية للتناسب بين الياء والكسرة)؛ ونقول في فَعالة من فعل شَقِي: شَقاوة؛ ونقول في فِعالة من فعل بَنَى: بِناية. وفعل غَبِي مثل فعل شَقِيَ فمنه غَباوة، فكلا الغباء والغباوة قياسيّان.

وهنا قد يُردّ بأنّ العرب لم تستعمل كلّ اشتقاق ممكن من أفعالها، وأنّ القياس في العربيّة ليس مطلقاً، فقد يختار العرب وزناً ويتركون آخر، إمّا استكراهاً، أو لمجرّد التفضيل، أو لعادة لا نعرف سببها، بدليل عدم قولهم دُعاوة مثلاً. فصحة اشتقاق غَباء لا تعني صحّته لغويّاً، والحكم في النهاية للاستعمال. وذلك مسلّم به، لكن يستوي فيه الغباوة والغباء المتأخّرتين تاريخيّاً، كما وضّحنا؛ ولئن سبقت الأولى الثانية، فإن تلك الثانية جاءت على لسان عالم كبير هو الطبريّ، مرّات كثيرة، وقد أُقرّت في العصور الحديثة بقوّة حتّى كادت تلغي الأولى، بما يعبّر عن خيار جمهور المستعملين الحديثين لها. وللجمهور الحديث حقّ في الاختيار كالقديم، دعْ أنّ الكلمة لا تزال مستعملة منذ أكثر من ألف ومئة سنة، وتلك مدّة كافية جداً لإقرارها. ومع أنّ مجمع اللغة قد أهمل مناقشة موضوعها، في ما نعلم، فإنّه يبدو مقرّاً لها، بدليل ذكرها في المعجم الوسيط الصادر عنه، حيث يقول: «غَبِيَ الشيءُ عن فلان وعليه ومنه غباً وغَباء وغباوة: خفي عليه وعنه: جهله ولم يفطن إليه». ولعلّه اعتبر أنّ اجتماع الاستعمال المتطاول والقياس الصحيح يجعل المجادلة في صحّة الكلمة عبثاً، لأنّها كالمجادلة في المسلّمات.




مصطفى عليّ الجوزو

عبادي فنان العالم
22-12-2013, 05:41 AM
يعطيك العافية مالك

على الله ما يدخلون موضوعك ويقولوا نسخ ولصق ونقل !!

مالك الحزين
25-12-2013, 11:50 AM
«لا» بَعد فِعل منفيّ وبناء «أبو»

ممّا يريح الباحث في اللغة أن يتّصل به القرّاء ويسألوه في بعض مقالاته، ثم يسألوه أن يكتب في موضوع أُشكل عليهم، فهذا ممّا يوحي له حيويّة المسائل التي يطرحها. ولقد اتّصل بي مدقّق لغويّ في بعض الصحف اللبنانيّة، وحاورني في استعمالين لحظهما في بعض مقالاتي: الأوّل هو استعمال «لا» بعد فِعل منفيّ لفظاً أو معنىً، كقولي: «من غير أن يُدخلوها لا في المصروف ولا في الممنوع من الصرف» (العربيّ، العدد 638، قيام الجملة المعترضة مقام الصفة والاسم)، والثاني جرّ أحد الأسماء الخمسة بالواو في نحو قولي: «بَعَثَ بها إلى محمود أبو ريّة»، (العربيّ، العدد 639، بين قيد النظم وحريّة اللغة والتجديد)، موضحاً أنّ بعض اللغويّين ينكرون الاستعمال الأوّل بحجّة أنّ نفي النفي إيجاب، ولذلك ينبغي حذف «لا» التالية للفعل في الجملة.

وقد اكتفيت بردٍّ جزئيّ وهو أنّ التكرار هنا ليس نفياً للنفي بل هو توكيد له، واللغة ليست منطقاً مجرّداً، ولو كان ما يقوله المعترضون من نفي النفي صحيحاً لم يستعمل الفرنسيّون هذا الأسلوب، لأنّه يؤدّي حينئذ عكس المراد قوله. لكنّني قدّرت، من بعد، وأنا أراجع نفسي، أنّني ربّما أخذت الجملة الأولى من الصيغة الفرنسيّة: ne...ni...ni في نحو: Il ne sera élu ni votre candidat ni le mien (لن يُنتخب لا مُرشّحُك ولا مرشّحي)، ولا نظير لها في العربيّة؛ فالآية الكريمة تقول: «لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًاً»*سورة الإنسان آيه رقم 9* وتقول آية أخرى: «ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى»،*سورة البقرة آيه رقم 262* ويقول الحديث الشريف في المُحْرِم، مثلاً: «لاَ يَلْبَسِ القَمِيصَ وَلاَ الْعِمَامَةَ»***حديث شريف***، حيث اكتُفي بنفي الفعل دون المفعول، ولم يكرّر النفي إلاّ عند العطف؛ وهو أسلوب مستعمل حتى في الفرنسيّة، في نحو قولهم: Il ne sait pas parler ni raconter (لا يُحسن الكلام ولا القَصّ). وهذا يوحي أنّني ربّما استعجمت لإقامتي في فرنسا عدّة سنوات، وكتابتي أطروحة الدكتوراه باللغة الفرنسيّة، ورجوعي إلى المراجع الفرنسيّة بين حين وآخر. لكنّ في العربيّة مثلاً مشهوراً هو: «فلانٌ لا في العِيرِ ولا في النَّفيرِ»، وتقدير معناه عندنا: فلان غير معدود لا في العِير ولا في النفير، حيث جاءت «لا» توكيداً لغَيْر، ولا نستطيع حذفها لأنّها في مَثَل. كما لا نستطيع تقدير هذا المثل بـ: فلان معدود لا في العير ولا في النفير؛ وأيّاً ما كان التقدير ودرجة فصاحته، فإنّ هذا المثل يبقى بصيغته التكراريّة رَوْسماً راسخاً في لاوعي المستعمل العربيّ، ويحمله على محاكاة أسلوبه، وعلى تسويغ الأسلوب الأجنبيّ المشابه له، ولعلّ ذلك هو سبب شيوع الصيغة المشار إليها.

يبقى جرّ أحد الأسماء الخمسة بالواو في «أبو ريّة» في الجملة الثانية. معروف أنّ الكنى أسماء يضاف فيها لفظ الأب أو الأمّ إلى اسم الولد البكر، الحقيقيّ أو غير الحقيقيّ؛ فمن الحقيقيّ: أبو القاسم، كنية النبيّ (ص)، وأبو الحسن، كنية عليّ (ر)، ومن غير الحقيقيّ: أبو بكر، كنية الخليفة الثاني (ر) وليس له ولد اسمه بكر، وأبو تراب، كنية عليّ (ر)، أطلقها عليه النبيّ (ص) لعلوق تراب المسجد بثوبه، وأبو خليل، كنية كلّ من يُدعى إبراهيم، لكون النبيّ إبراهيم يوصف بخليل الرحمن، وأبو الحُصَيْن، كنية الثعلب.. إلخ. كما قد تكون «أبو» في الكنى بمعنى ذي أو ما يقاربها، فتطلق مدحاً أو ذماً أو تحبّباً أو تفاؤلاً أو تطيّراً، كأن يقال للأعمى أبو بصير، وللحبشيّ الأسود أبو البيضاء، وللأسود أيضاً أبو دُلامة (كنية الشاعر العباسيّ زَند بن الجَوْن)، أي أبو سواد، وللرجل يكون أوّل من يصيب المرأة أبو عُذْرَتِها، ولمن يسير في الغَلَس أبو المُغلِّس (كنية عنترة العبسيّ)، وللفارس الكبير أبو الفوارس؛ ويقال إنّ كنية أبي نُواس كانت في الأصل لأحد ملوك حِمْيَر في الجاهليّة، لضفيرتين كانتا تنوسان (تهتزّان) فوق ظهره.. إلخ. و«أبو» في هذه الكنى جميعاً مصروفة: ترفع بالواو وتنصب بالألف وتجرّ بالياء وفق القاعدة المشهورة.

وهناك أسماء أماكن كُنيّية صرفها القدماء، مثل أبي قُبَيْس (جبل في مكّة)؛ ففي الحديث الشريف: «يَأْتي الرُّكْنُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْظَمَ مَنْ أَبِي قُبَيْسٍ». ونسبوا إلى أبي قُحافة، والد أبي بكر الصدّيق (ر)، كلاماً يخاطب به صغرى بناته بقوله: «أَيْ بُنَيَّةُ، اظْهَرِي بي عَلى أَبي قُبَيْسٍ». ونسب ياقوت الحمويّ في معجم البلدان بيتاً إلى بعض الشعراء يقول فيه:

أَجِدَّكِ هَلْ رَأَيْتِ أَبا قُبَيْسٍ
أَطالَ حَياتَهُ النَّعَمُ الرُّكامُ

لكنّ المتأخّرين جعلوا بعض الكنى أعلاماً للأسر، مثل أسرة الشاعر اللبنانيّ إيليّا أبو ماضي، وأسرة الشاعر السوريّ عمر أبو رِيشة، وأسرة اللغويّ المصريّ عليّ أبو المكارم، وقد طبّق مصطفى صادق الرافعيّ القاعدة المتعارفة - وكان متشدّداً في اللغة - فلم يخاطب محمود أبو ريّة في رسائله إليه إلا بعبارة: «يا أبا ريّة». لكن كلّ الناس تقريباً لا تغيّر اليوم صورة «أبو» في هذه الأسماء، إمّا لأنها مثبتة هكذا في الوثائق الرسميّة، أو خوفاً من التباس العَلَم بالكنية؛ فلو قلنا مثلاً: قرأت كتاباً لعليّ أبي المكارم، لظُنّ أنّ أبا المكارم هي كنية عليّ، وأنّ له ابناً حقيقيّاً أو متخيّلاً اسمه مكارم. صحيح أنّ حركة الإعراب في عليّ تمكّن من التفريق بين الحالتين، لكنّ اعتياد الناس تسكين أواخر الأعلام يُبقي الأمر ملتبساً، ولذلك تحاشوا الالتباس بإلزام «أبو» صورة واحدة. ومن أسماء البلدان أبو ظبي، ولا نعرف أحداً يغيّر «أبو» فيها، كما لا نعرف أحداًَ تكلم على منع الأسماء الخمسة من الصرف، ونحن نفضل اعتبار هذه الكنى المتّخذة أعلاماً للأُسر، والملتزمة صورة واحدة، أسماء مبنيّة على الحكاية لأنّها لا تتغيّر، وهذا يعني أنّ المتأخّرين استنبطوا ضرباً جديداً من الأسماء المبنيّة يمكن أن نسميه الأعلام الكنيّية المبنيّة، لاسيّما أنّ من الصعب فرض الصرف على اسم اختار المجتمع بناءه وعلميّته، وسُمّي به لغويّون مرموقون، يتقنون النحو ويعرفون‏ دقائقه، فلم يبدّلوه.

ولذلك كتبتُ اسم محمود أبو ريّة، في مقالتي، على الصورة التي كتبه بها صاحبه. والشيء نفسه يقال في من يبدأ اسمه بـ«أبي» أو «أبا» ونحن في لبنان نفرّق، مثلاً، بين عائلتين كبيرتين: أبو شقرا، وأبي شقرا، بكلمتي «أبو» و«أبي» اللتين لو غيرتا لالتبس الأمر؛ وتسمّى إحدى الأسر اللبنانية أبا الحُسَين، فلا يتغيّر لفظها. لذلك نتمنّى على المَجمَع أن يدرس هذه الظاهرة ويرى رأيه فيها.



مصطفى عليّ الجوزو

مالك الحزين
13-11-2015, 10:22 AM
الرئيس والمرؤوس والرئيسيّ والثانويّ



منذ أكثر من ستّ وثلاثين سنة، كتب صديقنا الباحث المجمعيّ الدكتور عمر فرّوخ، رحمه الله، مقالة صحافيّة أقحم على بعض فقرها هذه الجملة الاعتراضيّة: «لا تَقُلْ رئيسيّة»، وحين اعترضنا على ذلك النهي ردّ علينا الدكتور عمر بأنّ أعضاء مجمع اللغة العربيّة في القاهرة اتفقوا في بعض الدورات على «أنّ الممرّ الرئيس إلى المسجد الجامع هو الذي» يعبره جميع الناس «أمّا الممرّ الرئيسيّ فهو الذي{...} كان يمرّ به الأمير وحده»؛ وأنّ المعالجة التي يمارسها جميع الأطباء هي معالجة رئيسة، على حين أنّ المعالجة التي استخدمها الشيخ الرئيس ابن سينا هي معالجة رئيسيّة. وواضح أنّ مراد الدكتور عمر وزملائه المجمعيّين أنّ ما ينسب إلى الرؤساء يكون رئيسيّاً، وما ينسب إلى سائر الناس يكون رئيساً. وقد نفهم أن تكون النسبة إلى الرئيس هي الرئيسيّ، لكنّ ما لا نفهمه أن يكون ما ينسب إلى غير الرؤساء رئيساً.

ولن نستعيد الجدل الذي دار، حينئذ، حول الموضوع، وشارك فيه غير كاتب وعالم، لكنّنا نتوقّف عند قرار لاحق للمجمع يبدو تهذيباً لذاك، وفيه إجازة باستعمال نسبة رئيسيّ لغير الرؤساء شرط أن يكون المنسوب إليه مندرجاً تحت أفراد متعدّدة. وهو غير واضح، لأنّ عبارة العضو الرئيس والأعضاء الرئيسة التي عوّل المجمع عليها في إيجاب استعمال صفة رئيس دون رئيسيّ تدلّ على انتماء الموصوف إلى جماعة من الأفراد؛ والأعضاء الرئيسة، في مصطلح القدماء، هي التي يموت الإنسان إذا فقد أحدها. وقد زاد «المعجم الوسيط» الصادر عن المجمع أنّ الرئيس هو الأساسيّ، واستعمل عبارات الأغذية الرئيسة والأعضاء الرئيسة، والمركز الرئيس، والنجم الرئيس (الشمس) والشريان الرئيس (الوتين)؛ لكنه استعمل أيضاً عبارتي: الشريان الرئيسيّ (الأورطيّ) والأقسام الرئيسيّة، مع أنّه لم يذكر صفة رئيسيّ في مدوّنته، بل أوحي أنّ كلمة رئيس هي التي تؤدي معناها؛ فهو حائر بين الاستعمال الحديث الغالب، وما ظنّه صحيحاً وأوجبه، واضطرب في ذلك.

وهنا لا بدّ من ملحوظات ثلاث، هي:

1 - أنّ القدماء لم يستعملوا كلمة رئيس إلاّ بمعنى شيخ القبيلة، أو القائد لمجموعة أو مجموعات متعدّدة.

2 - أنّ استعمال صفة رئيس بمعنى «الضروريّ للحياة» استعمال طبيّ متأخر نسبيّاً، ولا نعرف أنّهم وصفوا به غير الأعضاء: القلب والكبد والكلية، الخ. والذين استعملوه كانوا مستعربين لا عرباً.

3 - أنّ استعمال رئيسيّ استعمال حديث تختلف دلالته عن الدلالتين السابقتين، فهو استعمال ترتيبيّ اقتُبس عن اللغات الأجنبيّة، ودلّ على ما يكون أصلاً لفروع، بالمقارنة مع الثانويّ أو الفرعيّ الذي يكون مشتقاً أو تابعاً أو ذا أهميّة ضئيلة. فالعنوان الرئيسيّ، مثلاً، هو الدالّ على جوهر الموضوع، والعنوان الثانويّ أو الفرعيّ هو الذي يدلّ على فرع أو جزء من الموضوع، ويكون تابعاً للعنوان الرئيسيّ، ويفترض أن يدلّ، هو وسائر العناوين الثانويّة، على ما يُجْمله العنوان الرئيسيّ؛ والطريق الرئيسيّ هو الأصليّ أو الأكبر، والفرعيّ هو الذي تفرّع منه؛ والمكتب الرئيسيّ هو مقرّ الإدارة العليا، والفرعيّ هو التابع له؛ والقضية الرئيسيّة هي ذات الأهميّة الكبرى، والثانويّة هي ذات الأهميّة التبعيّة أو القليلة، وهكذا.

وفي اللغة أنّ ما يؤدّي معنى مخصوصاً غير ملتبس بغيره أولى بالاستعمال ممّا يلتبس بغيره، ولاسيّما إذا كان الملتبس طارئاً ومختلَفاً فيه. ووصْف الشيء الحيويّ بالرئيس يلتبس حتماً بمعنى الرئيس ذي السلطة العليا، ويجعل الاستعمال الغالب، في المقابل، ملتبساً أيضاً؛ ومن ذلك وصف المصادر القديمة لعامر بن الظَرِب العدوانيّ بأنّه «كان خطيباً رئيساً» يعنون أنه كان ذا سلطة عليا أو قائداً. وقال بعض الشعراء الجاهليّين: «مَنْ لا يقاتلْ لا يَكُنْ رئيسا»، ووصف المرزيانيُّ ابنَ الروميّ فقال: «ولا أعلم أنّه مدح أحداً من رئيس أو مرؤوس إلاّ وعاد عليه فهجاه». ولم يستعمل العرب الكلمة إلاّ اسماً، خلافاً لزعم بعض المتحذلقين، الذين زعموا أنّها صفة مشبّهة بالفعل لا تقبل النسبة (كذا).

وعندنا أنّه يحسن استعمال «رئيسيّ» غير مشروطة بتعدّد الأفراد، دالّة على ما يكون أصلاً لفروع أو ما يكون ذا أهميّة كبرى، وعلى ضدّ الثانويّ أو الفرعيّ، على حين تُستعمل «رئيس» في الدلالة على ذي السلطة العليا في مجموعة ما، أي على ضد المرؤوس.

هذا لا يعني فرض صفة رئيسيّ دون غيرها من النِسب المؤدّية للمعنى نفسه أو لمعنى قريب، مثل الأصليّ أو الأساسيّ، بل تغليبها على كلمة رئيس في هذا المقام. وهو أمر يقودنا إلى الكلام على الضدّين: الأصليّ والفرعيّ؛ فالظاهر أنّ العرب القدماء استعاروا لتقسيماتهم صورة جسم الإنسان أو صورة الشجرة أو صورة الخيمة؛ فقالوا في الجَدّ الأوّل: أصل وأرومة؛ وقالوا في شيخ القبيلة: رأسٌ ورئيس وعميد؛ وقالوا في أقسام القبيلة: فرع وبطن وفخذ، الخ. وقالوا: عمود الشعر، وقالوا: ميمنة الجيش وميسرته، الخ. فلما تقدّم الفكر واتّسعت العلوم ظهرت الحاجة إلى ما يدلّ على تقسيمات جديدة، فلجأ العرب والمسلمون إلى شيء من القديم وزادوا عليه ما يفرّقه عنه، كإلحاق ياء النسبة به، فقالوا مثلاً: أصليّ، وقد استعمله ابن النديم وابن جنّي والزمخشريّ وغيرهم؛ لكنّ ابن منظور لاحظ أنّ العرب لم يستعملوا هذه الصيغة من قبل. كما استعمل ابن جنّي صفتي الأصليّ والفرعيّ واشتق من جذريهما مصدرين صناعيّين هما الأصليّة والفرعيّة.

وفي العصر الحديث طرأ المعنى الذي تعبّر عنه صفة رئيسيّ، بتأثير من العلوم المأخوذة من الغرب وترجمةً لكلمة principal، التي تعني حرفيّاً: أَوَّليّ. لكنّ صفات أوّليّ وأصليّ وأساسيّ تقابل، في الاستعمال العربيّ، ألفاظاً أجنبيّة أخرى، فتحدّث العرب عن التعليم الأوّليّ أي الابتدائيّ، وعن المواد الأوليّة، وعن المعنى الأصليّ والمعنى المجازيّ، وعن النسخة الأساسيّة والصورة، الخ. ولذلك اختار من ترجم الكلمة الأجنبيّة المشار إليها صيغة رئيسيّ وجعلها بإزاء صفة ثانويّ، لأنّ من معاني كلمة princeps اللاتينيّة: الرئيس.

إنّ تعقيدات المعرفة الحديثة وتشعّباتها لم تعد تسمح بالتمسّك بالقديم مع قصوره عن التعبير عن المعنى المستجدّ، ولا بالتحفّظ من المصطلحات المستحدثة على الحاجة إليها، ولاسيّما في ميدان الترجمة . وقد أدرك مجمع اللغة العربيّة هذا الواقع فأجاز كثيراً من المستحدثات اللغويّة، وربما بالغ أحياناً في ذلك؛ لكنّ الغريب أنّه كاد يجمد في كلمتي رئيس ورئيسيّ، فتزمّت شيئاً ما، وأوحى في تزمّته بعض التناقض، خلافاً لما أوحاه في مستحدثات أخرى.


مصطفى عليّ الجوزو

AhmedTheKing
14-11-2015, 03:10 AM
موضوع كامل الدسم

كل رد وحده بقيمة موضوع كامل

major
14-11-2015, 03:08 PM
يبغاله لياقة يامالك

مالك الا الكنق

شكرا لك

مالك الحزين
20-11-2015, 08:41 PM
مصطلحات ومستحدثات إشكاليّة بزنة الاستفعال


في البلاد العربية يجتهد اللغويّون، ومدّعو هذه الصفة، في استحداث المصطلحات والعبارات، سواء في ذلك العربيّ الصرف أو المترجَم أو المعرّب، فيختلفون، ويرهقون المستعمِل، على ما بيّناه في مقالات سابقة. وبعض المستحدثات على وزن استفعل ومشتقّاته، كالمستشفى والمستهتِر (بكسر التاء) والاستقراء، ترجمة لمصطلح (induction) الذي يفيد معنى تتبع الجزئيّات المفردة والقرائن للوصول إلى حقيقة كليّة.

أمّا كلمة مستشفى فمستعملة في مصر والسعوديّة وغيرهما، وفي عدد من بلاد الشام، باستثناء سورية ومن اتّبعها، حيث تُستعمل كلمة مَشْفى. وقد رأينا مذيعي الأخبار، حتّى غير السوريّين، ولاسيّما وقت العدوان الأخير على غزّة، يختلفون في الاستعمالين؛ فيقول بعضهم مستشفى، وبعضهم مشفى، وربما جمع أحدهم اللفظين معاً. علماً أنّ «المعجم الوسيط» الصادر عن مجمع اللغة العربيّة اختار مستشفى، لكنّه جمع الكلمة على مستشفيات ومشافٍ، وكأنّه شمل المشفى ضمنيّاً.

ومعروف أنّ المشفى مشتق من فعل شَفى، وأن المستشفى مشتق من استشفى. ولا شكّ في أنّ الاستعمال الثاني أدقّ وأكثر وضوحاً، حتى لا نقول أصحّ، وذلك لأنّ الدخول إلى المستشفى يكون طلباً للشفاء، غالباً، سواء تحقّق الشفاء أم استعصى، أم خرج المريض ميتاً، وما أكثر ما يحدث ذلك في بلاد العالم الثالث.

قد يقال: لكنّ بعض المعاجم يجعل استشفى، أي طلب الشفاء، أحد معاني شَفى، وبعضها يجعل له معنى شُفي في المجهول، أي بلغ الشفاء. والواقع أنّ هذه النكت المعجميّة استثنائيّة، ونكاد نقول مجهولة، والمعنى المعروف والمشهور لشفى هو: أَبْرَأَ، ولاستشفى هو طَلَبَ الشفاء.

وقد يقال أيضاً: إنّ اللفظين مستعملان على التغليب؛ بمعنى أنّ الدخول إلى المستشفى قد لا يكون للاستشفاء، بل لمجرد إجراء فحص مخبريّ وطبيّ؛ وقد ينـزل المستشفى بعضُ المسنّين أو الضعفاء أو العجزة للراحة والعناية العامّة من غير أن يكونوا مرضى. والردّ على ذلك أنّ هذه الغاية زائدة، متأخّرة عن الاستشفاء، فضلا عن أنّ الفحص يجرى لمعرفة الحاجة أو عدمها إلى العلاج والاستشفاء؛ والإقامة في المستشفى برعاية الأطباء ضرب من الاستشفاء. لكنّ التغليب الحقيقيّ واقع في مصطلح المشفى؛ بمعنى أنّ مستعمل هذا المصطلح توكّأ، في ما يلوح لنا، على أنّ الأصل في عمل الطبّ هو شفاء المرضى، وأنّ الإخفاق في ذلك هو الاستثناء. لكنّ الحقيقة المؤكّدة أنّ الأطباء أنفسهم يسعون إلى شفاء مرضاهم، ولا يجزم بمقدرته على الشفاء إلاّ المدّعون، وهذا يرجّح زنة الاستفعال.

ونحتاط بالقول إنّنا لا نعرف مصدر المصطلح السوريّ، فهل ابتكره السوريّون أم أنّهم اقتبسوه من بعض المؤلّفين القدماء في الطبّ، معتمدين بذلك مصطلحاً جارياً، ومتحاشين تنازع المصطلحات؟ أيّاً يكن الجواب فالمعاصرون غير ملزمين بمصطلحات القدماء كلّها، وهم قد أهملوا كثيراً منها، وابتكروا غيرها؛ والمهمّ أن تكون القواعد اللغويّة هي المرجع والمستند.

وثمّة فعل يستعمله الناس، اليوم، بكثرة، هو فعل استهتَر (المعلوم)، ويشتقّون منه اسم الفاعل مستهتِر، ويدرجون اللفظتين في المعاجم الحديثة، العربيّة الخالصة، والعربية الأجنبيّة، على أنّ لهما ثلاثة معان: اتّباع الهوى مع عدم المبالاة بالعواقب، والاستخفاف بالأمور، والخرف. والمعنيان الأوّلان هما ما يُستعمل في عصرنا، لكنّهما ليسا في المعاجم الأمّهات؛ فتلك المعاجم توحي أنّ استهتُر مبني للمجهول دائماً، أنّ الاستهتار مشتقّ من الهَتر والهُتر والهِتر؛ ويعني الأوّل مَزْق العِرض، ولم يقلْه الخليل؛ ويعني الثاني، عند الخليل، نفس ما نسبوه للهَتر، ويعني عند آخرين الخرَف وضياع العقل؛ ويعني الثالث، عند الخليل: السقَط من الكلام كالهذيان، وزاد غيرُه الكذب؛ ولا علاقة لذلك بالهوى والاستخفاف. وبوسعنا أن نستنتج أنّ سبب بناء القدماء هذا الفعل للمجهول هو نسبتهم الموت والعلّة إلى القوى الخفيّة، أو إلى الله، لكنّ الكذب وسقط الكلام عادةٌ وعيب بشريّ، ولذلك كانوا ينسبونهما إلى عمل الإنسان نفسه، ولا ندري لماذا بنوا فعلاهما هنا للمجهول؟

ويحسن أن نعلم أنّ القدماء محضوا فعل استُهتِر معاني أكثرها تبعيّ؛ فالمستهتَر هو غير المبالي بأقوال الناس فيه ولا بشتمهم له؛ والمُفْرط في الولوع بالشيء فلا يحدّث بغيره ولا يفعل غيره، كأنّه فاقد لعقله؛ والمصاب بالخرف وذهاب العقل؛ والناطق بالأباطيل. ويتقارب الاستعمالان القديم والحديث تقارب العقل والتعقل؛ فالمستهتِر في المعنى الحديث يفتقر إلى التعقّل في تقدير العواقب، على حين أنّ المستهتَر في المعنى القديم يفتقر إلى العقل؛ ونستثني من ذلك معنى الكذب، وهو محل اختلاف، أو استثنائيّ.


فهل من حقّ المحْدثين ترك الاستعمال القديم بصورة شبه كليّة وإعطاء الفعل بصيغته الجديدة معنى جديداً، على صلة بعيدة بالقديم، علماً أنّ الفعل المعلوم أصل للمجهول؟ نعم بغير شكّ، لأنّ المعاني التبعيّة التي استعملها القدماء استنتاجيّة، ولا بأس في أن يجعل المحْدَثون للفعل معنى استنتاجيّاً آخر، على صلة بتعطيل العقل، وأن ينسبوا ذلك المعنى إلى إرادة الإنسان نفسه لا إلى قوّة مجهولة.

يبقى مصطلح الاستقراء، وبعض المعاجم الحديثة يجعله مصدراً لفعل استقرأ، ويجعل له معنى طلب القراءة ومعنى تتبّع الأمور لمعرفة أحوالها؛ وليس في المعاجم الأمهات إلاّ المعنى الأوّل؛ وأصل معنى القراءة عند الخليل هو «ما نظرتَ فيه من شِعر أو حديث»؛ وهو عند آخرين الجمع وضمّ الشيء بعضه إلى بعض. والحقيقة أنّ الاستقراء بمعنى (induction) هو مصدر فعل استقرى، وأصله: قرا يقرو قَرْواً، أي تتبّع الشيءَ، وبذلك أوحى «المعجم الوسيط»؛ لكنّ هذا المعجم فسّر القراءة والقرآن، مع ذلك، بتتبّع الكلمات. ويفجؤنا ابن فارس بإدخاله جذر «ق ر ء» في باب «ق ر و»، وبنسبته القرآن إلى القرو، بمعنى الجمع عنده - وهو معنى وجدناه في القراءة - ويقرّر أنّ اللفظين قد يختلفان «فيُهمز أحدهما ولا يُهمز الآخر والمعنى واحد، إن كان الأصل واحداً».

واللافت مع ذلك أنّ المعنى المعترَض عليه للاستقراء هو الغالب على الاستعمال، اليوم، ليس لقول أساتذة جامعيّين كبار وعلماء مرموقين به، ربّما على مذهب ابن فارس أو الوسيط، بل لأنّ الأكثرين يجهلون القَرْو ومعناه، وهو فعل مهمل على الأرجح، على حين أنّهم يعرفون معنى القراءة. لكنّ من محاسن المحدثين زيادتهم معنى جديداً للقراءة والاستقراء، إذ جعلوا للقراءة معنى تأويل النصّ؛ وهو مقتبس عن الغربيّين؛ وجعلوا للاستقراء معنى الاستبطان، إذ يقولون، مثلاً: استقرأ الباحثُ النصَّ، أي تعمّق فيه ليؤوّله؛ فكأنّه طلب منه أن يقرأ له نفسه، ويكشف مكنوناته. حقّاً أنّ اللغة تعيش في الناس، وتنمو بهم.


مصطفى الجوزو

Anmar Alemdar
20-11-2015, 08:46 PM
موضوع كامل الدسم والي عامل دايت شو العمل :)

الديمقراطية في العالم العربي مختلف بشكل كلي عن الديمقراطية الغربية .
لعدة أسباب ابرزها ((أتفقوا العررب على الا يتفقو))
ومن نتائجها ثورات العربية 2011 م .

ديمقراطية العرب هي دكتاتورية الغرب .

مالك الحزين
24-11-2015, 10:00 PM
أحمد الكنغ
ميجر

أهلا بكما وشكرا للحضور .




أنمار
أهلا بك ، مع أن ردك ما له علاقة بالموضوع !

AhmedTheKing
26-11-2015, 08:11 PM
أولا أعتذر أخي مالك لعدم قراءة الموضوع كاملا لأنني لم أجد الفرصة للـ "المخمخة" على الموضوع كامل الدسم

فموضوع مثل هذا لا ينبغي للعربي أن يمرّ عليه مرور الكرام .. وإنما ينبغي عليه أن يقرأه ويتمعّن فيه وفي ما يحويه !

- - - - -

يكرهني البعض لأنني أكتب في المنتديات وفي "تويتر" عادة باللغة العربية الفصحى

ويعتقدون أنني أُرائي بلغتي العربية .. ولكن الحقيقة أبسط من هذا بكثير

الحقيقة أنني أفخر باللغة العربية ولا أرضى لها بديلا .. مع أنني ولله الحمد أتكلم الإنجليزية بمستوى جيد جدا

والأكيد أن للوالد يرحمه الله سببا مباشرا في تعلّقي باللغة العربية فهو تخصصه الأساسي يرحمه الله مجاورا مع الشريعة الإسلامية وكان محبا للغة شاعرا وأديبا فصيحا وإماما وخطيبا للجمعة في المسجد

- - - - -

من الأشياء التي "تعصّبني" هي تعريب البعض للكلمات الإنجليزية بحيث ينطقها نطقا عربيا رغم وجود المرادف في اللغة العربية

وفي مجال عملي التقني للأسف هنالك الكثير من هذه الكلمات والمشكلة أنني حين أستخدم اللفظ العربي ينظر إليّ البعض بنظرة "محتقرة" أو نظرة "جهل" أو نظرة "خير؟!" !!

مثال عليها الكثيرون بدلا من أن يقولوا "احفظ الملف بعد الانتهاء من الكتابة" تجد يقول "بعد ما تخلص كتابة سوّي save للـ file" !!

وهنالك حالات مستعصية أكثر فبدلا أن يقول "شارك" يقول "شيِّرْ" بصيغة الأمر من الفعل الإنجليزي share

ومثلها كلمة ديموقراطية وغيرها من الكلمات التي عربت مثل بيروقراطية وروتينية وآيديولوجية وغيرها

والحقيقة أنني لا أعلم لماذا لا يتم استخدام الكلمات المرادفة العربية فهي أصل اللغة (فلن أقول البدائل) وهي موجودة وهي غالبا أسهل في النطق أيضا !!

وكما ذكرت توجد لدينا البدائل ففكرة الديموقراطية هي مشابهة لمجلس الشورى مثلا والبرلمان هو المجلس التشريعي مثلا

من وجهة نظري الشخصية لا داعي لتعريب هذه الكلمات لوجود البديل العربي والعرب ما اعتادت التعريب إلا لشيء لم يكونوا يعرفوه قبلا كاسم لباس أو اسم طعام مثلا


- - - - -

في انتقاد لفظة "غباء" من المذكور فات على من تعنّى وانتقد أن يقيس على اللفظ المناقض للغباء وهو الذكاء أو حتى الدهاء فكل الكلمات الثلاث بنفس الوزن في الفعل فالمنطقي أن يكون نفس المصدر

- - - - -

بالنسبة للأسماء الخمسة في الألقاب فأعتقد أن الأصح إعرابها بدل من تثبيت واوها قياسا على بقية الأسماء فلماذا تعربُ الأسماء ولا تعرب الأسماء الخمسة؟

فمثلا لو قلت لي أعرب جملة: أنا أحمد بن عبد العزيز

لقلتُ لك أن الإعراب يكون على النجو التالي/

"أنا" مبتدأ و"أحمد" خبر

و"ابن" بدل من أحمد وهو مضاف

و "عبد" مضاف إلى "ابن" وهو في ذات الوقت مضاف

ولفظ الجلالة "العزيز" مضاف إلى "عبد"


- - - - -

أستغرب من الذين ذهبوا إلى صحة استخدام "رئيس" على "رئيسي" أو "رئيسة" على "رئيسية" فلا توجد لديهم حجُة مقنعة ولا واضحة فنحن نتكلم عن كلمة منسوبة إلى كلمة أخرى دون استخدام أي شيء يشير إلى النسب !!

وكنت قبل أكثر عقد من الزمان اختلفت مع رئيسي في هذا الصدد وسألت الوالد يرحمه الله فأكّد لي أن الأصح هو "رئيسي"

مالك الحزين
28-11-2015, 10:36 PM
رحم الله أباك وجميع المسلمين .

كلامك جميل بالنسبة للحديث بالفصحى ، وكذلك استخدام المصطلحات الأجنبية ، ولكن هنالك
كلمات أصبحت من صميم لغة الناس وأفهامهم ، كالتلفزيون أو الريسيفر ، فلا تجد أحدا يقول تلفاز
أو مـِرنان كما عربها البعض ، أو مستقبل أو اللاقط بالنسبة للرسيفر ، والخطأ جاء منذ دخلت
هذه الاختراعات علينا ، فكان من الأولى أن تُعرب أولا قبل انشارها .
وقد ساهم الكثير من الأدباء في بداية القرن العشرين في انشار اسماء المخترعات
المعربة كالمركبة أو القطار ، وكذلك النديّ للكافيه ، والنزل للهوتيل وكثرة هي الأمثلة .
وحديثا حاولت بعض القنوات نشر الاسم المعرب للهاشتاق وسموه وسما .

هنالك قصة طريفة لأديب جزائري متبحر في اللغة سألوه ما تعريب تيرمس ؟
ففكر قليلا ثم قال : كاظمة .
التعريب سهل ، ولكن الانتشار كان بوتيرة أقل .

وكذلك الأمر بالنسبة للديمقراطية ، فالكاتب أراد إدخالها إلى اللغة
كما دخلت مفردات كثيرة من الفرس والروم إلى لغتنا وأصبحت عربية .

أما بخصوص كلمة غباء فأجدني مشدودا لما طرحه الجوزو
ولم يقنعني كثيرا بخصوص الاسماء الخمسة .

شكرا لك احد على الحضور .

مالك الحزين
28-11-2015, 10:41 PM
كان من المفترض أن أطرح مقالا كل يوم جمعة
لكن للأسف موقع مجلة العربي متوقف حاليا .
ليتني حفظت المقالات من زمان لأنها فعلا
مقالات رائعة ودراسة جيدة من طرف د. الجوزو .

AhmedTheKing
29-11-2015, 12:24 AM
حياك الله أخي مالك .. وأتمنى أن تستمر بطرح المواضيع مثل هذه فهي ترتقي بمن يقرأها وهذا مما لا إنكار له

أما بالنسبة للمواضيع التي تتمنى حفظها لقراءتها لاحقا أنصحك بتطبيق "بوكيت"

http://img.talkandroid.com/uploads/2012/04/pocket.jpg

وهو متوفر على ويندوز وآندرويد وآبل ويمكن استخدامه مع الحاسب المكتبي أو الجوالات

بكل بساطة يمكن حفظ المقالات والعودة لتصفحها في وقت لاحق فقط أضف الرابط إلى البرنامج وفعّل خاصية الحفظ بدون اتصال "off-line"

ممتاز جدا