PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : فشل "الدين" في رفع الظلم و قهر الظالمين



الحرف لعيونك
21-04-2014, 11:09 AM
إن الهدف الاساسي من تشريع القوانين و الأنظمة هو كفالة الحقوق لجميع الناس بالتساوي، وإن أهم هذه الحقوق والذي يتشرك فيه جميع الناس هو العدل. فبتحقيق العدل يرفع الظلم وتنكف الأطماع و يسكن الناس و يحل الأمن و تزدهر المجتمعات و تُبنى الدول ثم تدوم، فلا يكون لأحدٍ من الناس نقمة على حكومة أو دولة ولا حاكم ثم لا يكون للناس نقمة على بعضهم البعض.


يقولون أنه مهما حصل من تحقيق للعدل و إرضاءٍ للرب فإن ارضاء بعض الأنفس البشرية لن يتحقق وذلك لأنها جُبلت على هذا النحو فمهما تحقق لها من العدالة فإنها تطمع بالمزيد ولو على حساب الآخرين, ولذلك يحصل ما يسمى بالخيانات و الإنقلابات على العهود والمواثيق وعلى الحكام العادلين مهما بلغت عدالتهم وتحدث لهم الإغتيالات أو الاعتقالات. ثم يستشهدون بما يرونه أمثلة في تاريخ أمتنا "المجيد" ! وأنا اقول: صحيح أن هناك من الناس من له طموحات و أغراض شخصية والتي يحاول أن يصل إليها على حساب القيم والأخلاق و حقوق الأخرين ولكني واثق تمام الثقة أن هؤلاء الناس "الوصوليون" لم يكونوا ليفعلوا شيئًا مما ذكرنا لولا أن وجدوا في نفوس العوام من الناس ما يساعدهم في تحقيق مآربهم، وجدوا هذا يشتكي من جور هذا الحاكم "الذي وصفوه بالعادل" و ذاك يشتكي من ظلم وزارته و ذلك من ظلم حواشيه و عائلته وأقرابه و ذاك و ذاك و ذاك.....الخ هؤلاء الناس لا يبحثون عن الحق لذات الحق و بسبله المشروعة إنهم يريدون أن يرفعوا الظلم الحاصل عليه و الحاط بحمله الثقيل على صدورهم. يتعاونو غير مفكرين ولاآبهين مع هذا الوصولي الذي يستغل هذه الفرصة ويوهم "المستضعفين" بأنه يحارب من أجل رفع الظلم عنهم وما يلبث حتى يخلق لهم ظلماً ممنهجاً و أشد و اقبح!

وفي كل مرةٍ من مرات التاريخ الكبير تُستغل نقطة "المستضعفين" للقضاء على الظلم القائم هذه كذبة كبيرة لازال يصدقها الإنسان الضعيف حتى اليوم. ولنا في تاريخنا الإسلامي أمثلة كثيرة بدأت منذ بزوغه واستمرت حلقة متواصلة حتى اليوم.


نكمل لاحقاً

الحرف لعيونك
21-04-2014, 03:43 PM
ثورة النبيّ على الحكم القرشيّ

كانت قريش في عهد ما قبل الإسلام ذروة سنام السياسة و الإدارة الإجتماعية العربية، صحيح أنها لا تقارن بفارس و الروم في ذلك الوقت من حيث هيكل النطام و تطور الأساليب الإدارة و اكتمال أركان الدولة المهمة بيد أنها كانت الحكومة العربية الوحيدة التي تنعم بحكم ذاتي لا تسيطر عليه دولة عظمى بشكل مباشر.

كانت طبيعة الحكم في قريش مختلفة تماماً عن الممالك العربية في ذلك الوقت كالمناذرة في العراق و الغساسنة في الشام، كان الحكم ياخذ شكل المشيخة بعيداً عند تعقيدات البيروقراطية، كما أن ذلك النظام اللاشمولي كان يتميز بعدم وجود الحاكم المستبد عادلاً كان أو ظالماً!

كان القرار في هذه الحكومة يتّخذ بطريقة متقدمة على عصره، يحضر شيوخ القبائل أو البطون كنواب في المجلس الأعلى لقريش الذي كان يعقد بشكلٍ دوري في دار الندوة. فعلى سبيل المثال كان أبو طالب ممثل بني هاشم و الحكم بن هشام ممثل بني مخزوم مع الوليد بن المغيرة و الشاب عمر بن الخطاب ممثلاً لبني عدي وعتبة بن شيبة مع أبو سفيان يمثلون بني أميّة و العاص بن وائل عن بني سهم وهكذا. يتشاور الجميع و يتخذ القرار بتصويت الأغلبية مع حفظ الحق للأعضاء الأكثر تأثيراً.

نستطيع أن نسمي الأسماء التي ذكرنا أعلاه باستقراطيي قريش و الذي كان عددهم قليلاً جداً. أما الطبقة الوسطى فقد كانت هي الأوسع و الأكثر وهذا شيء صحي في كل المجتمعات. و الطبقة الكادحة كانت كثيرةً أيضا وهذه النقطة هي لب موضوعنا.

مع نجاح تلك الطريقة غير النمطية في ادارة المجتمع في ذلك الوقت إلا أنه ظل هناك مشاكل كثيرة و أولها هو المشكل المعتاد في كل الأنظمة عبر التاريخ؛ الا وهو الظلم! الظلم موجود في كل المجتمعات و لم يكن المجتمع المكي بمنأً عنه. أقسى الظلم كان يقع على الطبقة الكادحة و التي كان مكونها الأساسي هم الموالي و العبيد و رعاع الناس مما يسمونهم العرب بالسوقة. في المرتبة التالية تأتي الطبقة الوسطى ومكونها القبائل أو البطون التي لم تكن تستطيع أن تقدم ما يحفظ لها مكانة شريفة وعالية في ذلك المجتمع كخدمة الحجاج و اطعامهم والرفادة و السقاية إلى غير ذلك مما كان يعتبر شعائر دينية مجتمعية ورثت جيلاً عن جيل. اضافةً إلى بعض أفراد العوائل الاستقراطية الذين كانوا يشعرون بنوع من الإهمال أو عدم الحصول على المكانة التي يحضون بها أقرانهم من تلك العائلات. ومن هؤلاء كان الشاب الذكي الحليم النبي محمد .

كان النبي يتأرجح مابين الطبقة الفقيرة و الوسطى رغم أنه من بيت هاشم أحد البيوتات الاستقراطية التي ذكرنا. اليتم كان السبب الرئيسي في عدم حصوله على مكانة مناسبة له كحفيد لعبدالمطلب سيّد قريش. كما أنه كان فقيراً ليس لديه ما يستعين به على قضاء حوائج يومه فكان يعمل حتى يحصل على مايسد به عوزه.

محمد عاش هذا النظام و درس مساوئه و محاسنه وكان لديه الحلم بالقضاء على الظلم الذي اجتاح المجتمع كأي ثائر رفض الظلم و مصدر الظلم، و قد كان مؤهلاً من نواحي عدة للقيام بهذه المهمة الصعبة فكان يرى أن الحل في اجتثاث هذا الحكم الرجعي الذي تتحكم به أفراد قليلة على حساب الأعداد الغفيرة من المجتمع بنظرية جديدة و بطابعٍ خاص لم يعرفه العرب قبله.


يتبع -

في المقالة القادمة سنكمل الجزء الثاني من " ثورة النبيّ على الحكم القرشيّ "
سنسلط الضوء على إمكانات النبي السياسية و الثقافية في إحداث الثورة على النظام الحاكم ومراحل التغيير ثم الحكم الجديد.

راجع راجع
22-04-2014, 11:39 PM
موضوع يستحق المتابعة و يحتاج الى قراءة بهدوء

ننتظر المقالة القادمة الحرف لعيونك...

شكرا

الحرف لعيونك
07-05-2014, 09:37 AM
ثورة النبيّ على الحكم القرشيّ ٢

تحدثت في المقالة السابقة عن طبيعة الحكم في قريش قبل ظهور الإسلام، وكيف كان القرار يتخذ عن طريق مجلس مكون من عدة رجال يمثلون قبائلهم المتفرعة عن قريش. ثم ذكرنا الطبقات المكونة لذلك المجتمع و أين كان النبي من تلك الطبقات. ومما يجب أن ننوه عنه أننا أخذنا ثورة النبي كمثال على محاولة التغلب على الظلم و إقامة العدل في الأرض من طريق الدين وهذا لب موضوعنا، إخترت التغيير المحمدي كونه يمثل رأس الدين و ما ينسب له من إقامة للعدل و دفع للظلم في قصة تاريخية سنحاول أن نفند نقاطها الرئيسية في هذا الموضوع.

نشأ محمد في تلك البيئة كارهاً لأغلب طقوسها و شرائعها، و لم يكن له من الأمر شيء حتى يحاول التغيير التدريجي ولم يجد سوى التغيير الراديكالي كحل لكل مشكلات المجتمع لكافة الأفراد و ما يخصه منها شخصياً.

كعادة كل من يفكر في مناهضة الحكومات القائمة بدأ النبي باستمالة الطبقة الكادحة المسحوقة و نجح أيما نجاح في جعلها طوعاً لبنانه، وخلال ذلك استمال من استطع استمالته من أسر الطبقة المتوسطة و من كان يعني منهم من ظلم الحكومة المسيطرة. لم يقف ضد محمد الا من كانت له مصلحة في دوام تلك الطريقة في الحكم و ذاك الشكل، القضية في حقيقتها لم تكن قضية دين و شعائر روحانية؛ إنها في حقيقتها قضية المادة و المكانة الإجتماعية. لذلك قال حكيمهم عتبة بن ربيعة الأموي في أحد اجتماعات دار الندوة " دعو محمد و شأنه، فإن ساد كنتم شركاءه في الحكم و إن قُتل فقد كفيتموه" إذاً ليس المهم الإله " هُبل" أو العزى واللات، المهم هو الحكم و السيادة. كما أن النبي كان يقول لهم " اتبعوني تملكوا فارس و الروم" "لتملكن ما ملك كسرى و قيصر"، و هذا هدف صريح وواضح قابل للتحقيق في مخيلة النبي، فالموضوع ليس له علاقة بالإله أيضاً ولا العاطفة الروحانية.

عندما استخدم محمد الطبقة المسحوقة لم يكن يريد أن يحدث ثورة عسكرية داخل مكة لعدة أسباب منها عدم ثقته بالانتصار وليس لديه القوة والعتاد ومنها أيضاً منعاً لتدخل قوى أخرى ليست تحت سيطرته من خارج قريش قد تذهب بهدفه و قبيلته دون رجعة. فما كان منه الا البحث عن قوة مناوئة تكون تحت حكمه و سيطرته، و كالعادة أيضاً لم يجد الا " المستضعفين" من أهل المدينة الذين كانوا يرزحون تحت وطأة اليهود تلك القوة العظيمة في شمال يثرب.

وكلنا نعرف تسلسل الأحداث وليست تهمنا، الذي يهمنا أن النبي انتصر ولكن ماذا حدث بعد النصر؟
هدم قلعة الظلم التي كان يزعم في مكة ثم قلاع ظلم اليهود وساد على أهل الجزيرة. و الفضل الأول يعود لأهل المدينة الذين حُرموا من المشاركة في الحكم باسم الوحي الإلهي. هل قضى النبي على الظلم حقيقةً؟! أم كون طبقات جديدة فيها ظالم و مظلوم كعادة المجتمعات البشرية؟! هل كانت المدينة تمثل فكرة المدينة الفاضلة التي تنبأ بها وكتبها أفلاطون؟!

هذا ما سأكتب عنه في مقالتي القادمة.