PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : طلال مداح .. " صوت الخليج " في القرن العشرين



ليل و طرب
13-08-2014, 01:04 PM
http://www12.0zz0.com/2014/08/13/09/173193904.jpg (http://www.0zz0.com)


طلال مداح .. " صوت الخليج " في القرن العشرين

أحمد الواصل :

يُمثل صوت طلال مداح، ضمن المنتصف الثاني من تجارب عربية أحد الأسماء الفاعلة في المشهد الثقافي من بين جيله على المستوى العربي: فيروز وعبد الحليم حافظ ووردة وعبد الكريم عبد القادر، ويختلف عنهم بأنه إلى جانب غنائه يعد ملحنًا غير أن ما لا يعرف عنه بأنه عمل منتجًا ومكتشف أصوات وأعد برامج تلفزيونية وألف أعمالًا درامية وكوميدية للإذاعة والتليفزيون.

مكنتني تجربة الاستماع إليه لفترات طويلة من عمري، حتى بداية الكتابة والنقد منذ 1999 بشكل تخصصي، من وضع دراسات عدة، إما تتصل بأعمال صدرت في وقتها أو بعد وفاته، وإما بوضع دراسات عن مجمل التجربة كالتي صدرت في حلقات خمس بعنوان "طلال مداح مؤسِّس الحداثة الغنائية السعودية" عام 2008، بالإضافة إلى فصل خاص في كتاب "تغني الأرض" 2010، وقيد الإعداد كتاب "ما بعد طلال مداح:من ملفات الحداثة الغنائية" يحتل فيه أكثر من نصف الكتاب.

استطاع طلال مداح في منتصف القرن العشرين، أن يحسم أمر موقفه من شكل الأغنية التي كانت تتخذ جملة شعرية ولحنية موحدة متكررة في الأغنية، ما لم يكسر رتابتها ارتجال لحني أو موال أو رقصة، وهذا تجلى في ألحان طارق عبد الحكيم، وفوزي محسون، وعبد الله محمد، وقد وضع طلال ذلك في ذهنه ليضع لحنه الأول: "ورد يا زارع الورد"، 1960، كلمات عبدالكريم خزام.



كانت رحلة طلال إلى بيروت عام 1962، التي سجَّل فيها قصيدة: "سويعات الأصيل" (ندى الجزيرة- محمد الإدريسي)، وأغنية: "أهل الهوى" (شاعر نجدي) من التراث الخليجي، أولى تجاربه في احتراف الغناء. ونلمس في تسجيل طلال لقصيدة كذلك من تراث خارج منطقته ما يكشف ثقافة وتطلع طلال نفسه إلى شكل الأغنية وإلى تشربه ألوانًا مغايرة.



التقى طلال بلطفي زيني ليؤسِّسا معًا شركة "رياض فون" عام 1964- 1970، مع الشاعر المنتظر خالد بن تركي، وستظهر أغنيات تحاكي الواقع الاجتماعي بين رافدين من طاهر زمخشري شاعرًا، وغازي علي ملحنًا، في أغنيات شهيرة: "سلام لله يا هاجرنا"، و"أسمر حليوة".

كذلك ورشة عمل أخرى بين الشاعرة ثريا قابل، إحدى أوائل الصحفيات والشاعرات السعوديات، والشاعر صالح جلال وألحان فوزي محسون بمثل: "كلام البارح تغير ويا حياتي"، وفي جهة أخرى مع الشاعرين؛ أحمد صادق، وخالد زارع، وألحان طلال نفسه، حيثُ استطاع كل من زيني ومدَّاح تبني مواهب وإطلاق أسمائها الفنية مثل: المغنية عتاب "طرفة آل طلال"، والصوت الكبير ابتسام لطفي "خيرية قربان"، وعازف العود والمغني عبادي الجوهر.

وربما لتوقف مرحلة الأسطوانات عام 1970، بدخول مرحلة الكاسيت، دون توفر شركات إنتاجية، وحفظ الحقوق، وعدم توفر مسارح، وفرق غنائية كبيرة تلبي طموح طلال وملحنه الجديد سراج عمر، فتوجَّه طلال مداح إلى مصر حيثُ أطلق أغنية: "مقادير" 1976، في إستاد نادي الترسانة أمام 30 ألف متفرج، مواكبًا حركة الغناء العربي بمصر بين مواهب كبيرة شكلت جيلًا كاملًا مثل: فايزة أحمد، وعبد الحليم حافظ، ونجاة الصغيرة، ووردة الجزائرية، التي اختارت غناء: "مقادير" في برنامج أنتجه طلال للتليفزيون السعودي 1978، حيث أشهرت اللحن في رحلاتها الغنائية المختلفة لدول عربية أخرى.

هذا ما جعل طلال يضع تصورًا مهمًا لأغانٍ وضع ألحانها بنفسه، من شعر بدر عبد المحسن كانت حاسمة في ارتقاء تطور الأغنية نحو توظيف عناصر تمثيلية، ومناجاتية، وحوارية، مثل: "قصت ضفايرها"، "يا طفلة تحت المطر"، و"سيدي قم"، وصولًا إلى أغنيات متطورة في بنائها وفكرها اللحني والشعري مهمة: "زمان الصمت" و"ليلة تمرين"، و"صعب السؤال"، كذلك تجربته مع نصوص فايق عبد الجليل المهمة: "حبيبي اختار" و"لوما أحبك" و"زلزليني وصولًا إلى أغنية: "طيب" 1994 (لحن: يوسف المهنا).


أما في عام 1985 واصل استيعاب الملحنين الآخرين رغم صعوبة مسار طلال مداح مع الأغنية في تطورها الشديد وتطلبه إلى مستوى وملامح خاصة في أعماله منتقاة غير منفرطة حين قدَّم مع الملحن عبد الرب إدريس نهاية الثمانينيات لحنًا رائعًا: أحرجتني فيما قدم خالد الزايد لحنين: "من الجفا"، و"ابعد وخلني"، وتميز لحن غنام الديكان الوحيد بطاقة تعبيرية وإتقان أدائي: "هذا إحنا".

وفي عام 1993 لم يكن طلال إلا ساعيًا في تطوير دمائه اللحنية عندما تجاوب مع حساسيات لحنية كان يشعر بالتنافس معها رغم أنها من جيل لاحق إلا أنه يكشف عن حساسية عالية مع تطور الزمن عندما تعاون مع حمدان بريجي وسليمان الملا فيما كان يرتب عملًا من شعر بدر عبدالمحسن وتلحين خالد الشيخ ترك غصة في نفس الأخير.

ورغم استمرار طلال في تلك على تكثيف حفلاته في مصر ولبنان ثم لندن وباريس والمغرب وحفلات التليفزيون الموسمية أو جلسات غنائية خاصة في السعودية، واكبت نشوء شركات الإنتاج الفني، وتقنين طباعة أشرطة الكاسيت، فكانت إحدى عمليات تطور حفظ الأعمال الفنية وتنظيم الحقوق الأدائية والإنتاجية، حيثُ سجَّل طلال عقد عمل مع شركة فنون الجزيرة 1983، غالبًا التي وفرت حفظ أعماله بين المنتجة نهاية السبعينيات بالتوازي مع جديده آنذاك مثل أغنيات شهيرة: "تصدق وإلا أحلف لك"، 1985 كمثال.

ونظمت الأغاني بين صيغة الجلسة ذات الفرقة الموسيقية الصغيرة "كانت إحداها مع عتاب"، مقابل أشرطة سجلت مع فرق موسيقية كبيرة شكَّلت في مرحلتها حالة جديدة لصناعة مجموعة غنائية تواصل فيها مشروع الأغنية الطلالية إلى أقصاه مثل: "خلصت القصة"، 1983، "سيدي قم"، 1985، "رفعت الصوت أغني"، 1986، "أحرجتني"، 1987، "جتني تقول"، 1988، "صعب السؤال"، 1989، "الحق معاي"، 1989، "تدلَّل يا قمر"، 1992، "مصدر أحزاني"، 1993، "أنا راجع أشوفك"، 1993، وصولًا إلى أشرطته الأخيرة: "يا بنت" 1995، و"طيب" 1995، و"ذهب" 1999، "أسبوع" 2001.

وكان لتأسيس شركة إنتاج فني لتجارب موسيقية وتبني مواهب، ما جعله لا يكتفي في منتصف التسعينيات المرحلة التي شهدت غزارة في صدور مجموعة كبيرة من الأشرطة بين عامي 1990- 1995، كانت أعمال بين أغنيات جديدة، وأخرى قديمة أعاد توزيعها مع الملحن غازي علي، كان بينها ألحان لطلال نفسه لفوزي محسون أيضًا، عوضًا عن انفتاح طلال على تجارب لحنية جديدة جعلت منه يقدم تطورًا لمفهوم الجلسة التي سبق.

وكانت تسجل بشكل عفوي خلال مرحلة السبعينيات ثم أخذت منحنى جديدا بالتنسيق والتوضيب في منتصف الثمانينيات وصولًا إلى الجلسة الشهيرة: "السكوت أرحم"، 1992، التي أشرف على تنفيذها الملحن يوسف المهنا، كذلك جلسة: أغاني أعجبتني "جزءين" التي أشرف عليها الملحن عبد الله الرميثان.

وساهم لطلال في شركته: سويعات الأصيل أن يصدر شريطًا يحتوي على ارتجالات على آلة العود أشبه بدروس حيال فلسفة النغم العربي واقتراح طرائق للانتقال بين المقامات "السلالم" دون الفروع "الأجناس"، تحت عنوان: "طلاليات1" 1999، ثم أصدر شريطًا آخرا هو مجموعة موسيقية، مكونة من سبعة مقطوعات تحت عنوان: "سبعة لمين؟" 1999، وضع فيها تفكيره الموسيقي على محك التجربة بين قوالب حرة، وأخرى تستثمر الموتيفات اللحنية "الجمل الموسيقية الموروثة"، وتوظيف للكورال موسيقيًا.

ولم تخل مسيرة طلال مداح من القصيدة والنشيد كقالبين غنائيين يعتمدان على قصيدة الشعر باللغة الفصحى "لغة الكتابة العربية"، من خلال أنواع شعرية؛ بين التناظري "العمودي"، والمقطعي "المرسل"، والتفعيلة لشعراء كبار مثل: أحمد شوقي "آذار أقبل"، وبديوي الوقداني "أحمامة الوادي"، في فن الدان وسواها من قصائد كثيرة.

كذلك الشاعر طاهر زمخشري الذي كتب له غير الأغنيات باللهجة الحجازية أغنية: "علميني ومر في تيهه"، كذلك عبد الله الفيصل الذي كتب له قصائد نبطية منحه نشيد: "أفديك يا وطني"، لحن طارق عبد الحكيم، كما لا يمكن نسيان نشيد: "وطني الحبيب"، شعر عبد الرزاق بليلة، الذي جدَّد تسجيله منتصف التسعينيات، وقصيدة: "سويعات الأصيل" من شعر ندى الجزيرة "سلطانة السديري"، التي لحنها محمد الإدريسي، التي سمعها طلال من عبد الله محمد ورددها ثم سجَّلها ثم قصيدة: "ماذا أقول؟"، شعر: فتى الشاطئ "سعد آل سعود"، ولحن محمد عبد الوهاب.

كذلك قصيدة: "يا موقد النار"، شعر سعيد الهندي ولحن عمر كدرس، التي لحنها توفيق الباشا لصالح صوت الكبيرة نور الهدى، وقصائد أخرى لنفس الشاعر والملحن: "صحا الطير"، و"مع الغروب"، ولا ننسى قصيدة: "كنت يومًا" من شعر لاسم مستعار "سراب"، ضمن مجموعة "قصت ضفايرها" 1990، كذلك قصيدة: "يا حبيب العمر" من شعر مصطفى عبد الرحمن، ولحن جمال سلامة.



وطلال يعد أحد المساهمين بشكل مباشر في تلك الاكتشافات بل الدعم عبر الإنتاج الفني والتلحين والمرافقة في الحفلات الغنائية مثل: حيدر فكري وعبادي الجوهر عام 1967فأعطى فكري لحن: "أراجع البسطة" وللجوهر لحن: "يا غزال" كذلك أغنيات أخرى: "يا حلاوة"، "العوازل"، و"الحب المؤقت"، و"مدير الحجز"، حيثُ سيرد الجوهر لطلال ذلك الجميل بالتلحين له: "دروب العاشقين" عام 1976، ثم "عضة الإبهام" عام 1997.

ثم شارك طلال عام 1969 في لجنة مكونة من أحمد صادق ولطفي زيني وحسن دردير وعمر كدرس لاكتشاف صوت خيرية قربان التي منحها اسمها الفني: ابتسام لطفي، كما لحن لها أغنية: "بتقول لي فات الأوان؟"، كلمات لطفي زيني، تشكل معارضة غنائية لأغنيته: "فات الأوان"، إبراهيم خفاجي وطارق عبد الحكيم، ولا يخفى أنه استمر في دعم الأصوات سواء بألحانه أو من خلال الإنتاج الفني عندما انتقل إلى شركة فنون الجزيرة، ومن هذه الأسماء عتاب وعلي عبد الكريم ومحمد عمر ومن الكويت رباب ومن البحرين إبراهيم حبيب.

ولا يخفى أن طلال أسهم في اكتشاف وتقديم ملحنين كبار في الساحة الغنائية السعودية مثل سراج عمر وسامي إحسان كذلك في مرحلة لاحقة محمد شفيق ومحمد المغيص عوضًا عن غنائه لشاعرات مثل: ثريا قابل حيثُ شكلت ألحانه وألحان فوزي محسون حالة غنائية حجازية وبعدها ساهمت ثريا قابل مع بدر عبد المحسن في أغنية سعودية تحمل ملامح مزيجًا من النجدية والحجازية مثل: "الله يرد خطاك"، كذلك غنى لحصة العون "رموشك ساهية" وراضية عبد الكريم "تركتيني"، وصولًا إلى الشاعرة هتان "ألف شكرًا".

ومن بين أغنيات في مرحلته الغنائية الأولى عالجت مواضيع اجتماعية ونفسية وفكرية ومناسباتية بعضها مباشرة قد رافقت التطورات التقنية مثل: "في سلَّم الطائرة" أو "يا مسافر على البوينج"، ومنها ما عالج مسائل العشق العذري مثل: "ما دام معايا القمر" والعشق الحسي مثل: "حبك سباني"، وأخرى رافقت أزمة منتصف العمر مثل: "اليوم يمكن تقول لي"، ومنها المتجدد سنويًا ضمن دائرة الموسمي، ما يخص مناسبات احتفالات وطنية وأعياد دينية وأفراح رياضية وحالات وصفية بالمدن.

شربت أغنية طلال بمثل ما أوحت وتحاورت مع التطورات في البناء الشعري من طابع رومانسي جديد في تصويره، ورمزي في مشهديته، وحداثي في مجازه، وهذا ما كشفته المرحلة الثانية ثم استمر مع تطورات في المرحلة الثالثة في أغنيات كثيرة من المرحلة الثانية: أغراب، طفلة تحت المطر وقصت ضفايرها، وفي مرحلة ثالثة: "زمان الصمت"، "نجمة ونهر"، "زلزليني"، "ليلكم شمس" وسواها كثير.



وتتجلى ليبرالية إنسانية في أسلوب الاعتراف أمام الطرف بالتجربة العاطفية السابقة في أغنية: "اعترف لك" 1983، كلمات: سعود شربتلي، يوازيه من الجهة الأخرى موضوع معاكس في الأدوار في أغنية: "أحرجتني" 1987، منصور الشادي، عوضًا عن التميز في قراءة الحالة العاطفية في أغنية: "مسرحية" 1993، كلمات: بدر بو رسلي"، مقابل التقاط تفاصيل العلاقة العاطفية في لحظة مغفلة عن أشياء المكان كما بدت في أغنية: "وقت اللقا" 1992، كلمات: يوسف ناصر.

إن قراءة تجربة طلال مداح تبقى في أدنى وأعلى نتائجها قراءة لجيل كامل، مثلما أسلفت وأكرر، كذلك تكشف لنا موهبة طلال ودورها في مسيرة الأغنية السعودية في مرحلة حاسمة من تطورها التراكمي تاريخيًا واجتماعيًا، بما أضافته إلى مسيرة الأغنية العربية من اختلافات وتعبيرات مغايرة، شكلت سيرة غنائية موازية لكثير من الحناجر المجايلة، التي قدمت تجاربها بوحي مشترك في بعضه من مرحلة الشعوب العربية، وتباينت في أهدافها كذلك موضوعاتها كل بحسب حالته وإنسانيته.

ليل و طرب
09-09-2014, 07:30 PM
إن قراءة تجربة طلال مداح تبقى في أدنى وأعلى نتائجها قراءة لجيل كامل، مثلما أسلفت وأكرر، كذلك تكشف لنا موهبة طلال ودورها في مسيرة الأغنية السعودية في مرحلة حاسمة من تطورها التراكمي تاريخيًا واجتماعيًا، بما أضافته إلى مسيرة الأغنية العربية من اختلافات وتعبيرات مغايرة، شكلت سيرة غنائية موازية لكثير من الحناجر المجايلة، التي قدمت تجاربها بوحي مشترك في بعضه من مرحلة الشعوب العربية، وتباينت في أهدافها كذلك موضوعاتها كل بحسب حالته وإنسانيته.


شكرا أحمد الواصل