PDA المساعد الشخصي الرقمي

عرض كامل الموضوع : الأغنية الخليجية بين الأمس واليوم



ليل و طرب
19-03-2016, 02:55 PM
الأغنية الخليجية بين الأمس واليوم

عبدالله المسيان



لو تتبعنا التسلسل التاريخي للأغنية الخليجية الحديثة منذ بدايتها في الستينات الميلادية فإننا نجد انها مرت بعدة مراحل، فإذا كانت الأغنية الخليجية قد بدأت تقريباً في الستينات فقد نمت في ثلاثة أرباع عقد السبعينات، وازدهرت في أواخر السبعينات، ونضجت في عقد الثمانينات، واستمرت كذلك حتى منتصف التسعينات. ثم بدأت في النصف الثاني من التسعينات تتراجع قليلا مع زيادة الإنتاج الغنائي بظهور الفضائيات التي جرت معها أيضا الفيديو كليب

حتى وصلنا عام 2000م ومن بعد عام 2000م بدأت وتيرة التراجع تزداد حتى وصلنا إلى أسوا مراحل الأغنية الخليجية في نظري في السنوات العشر الأخيرة.

لماذا كانت الأغنية الخليجية في أواخر السبعينات وطوال عقد الثمانينات (ربما تكون هذه الفترة هي العصر الذهبي للأغنية الخليجية) متألقة ومزدهرة فنياً؟ والأغاني الجميلة لا حصر لها ولماذا هبطت الأغنية بعد ذلك هبوطاً مريعاً؟ حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن من تدني في مستوى الكلمات وضعف في الألحان وسوء في الأداء.


من الصعب أن تحصر الأغاني الجميلة والأعمال الخالدة في أواخر السبعينات والثمانينات إلى منتصف التسعينات لكثرة الأغاني الجميلة. فهناك عشرات بل مئات الروائع الغنائية خذ على سبيل المثال: “وردك يا زارع الورد لطلال مداح” أو “لنا الله لمحمد عبده” أو “آه يا الاسمر يا زين لعبدالكريم عبدالقادر” أو “يا ناعم العود لحسين جاسم” أو “كلما كنت بقربي لخالد الشيخ” أو “بنلتقي لعلي عبدالكريم” أو “يا ناس احبه لعلي عبدالستار” أو “رحلتي لعبدالله الرويشد” أو “ما انساك لنبيل شعيل” الخ. وهذه نماذج بسيطة لأغاني جميلة ظهرت خلال أكثر من عشر سنوات تمثل أوج تطور الغناء في الخليج العربي وغيرها عشرات بل مئات الأغاني الخليجية الخالدة التي ظهرت في أواخر السبعينات مرورا بالثمانينات سواء كانت أغاني طربية (مكبلهة) أو أغاني خفيفة أغاني عاطفية أو غير ذلك.


بينما الآن لو فتحت الإذاعة من الصباح وحتى الليل واستمعت إلى 100 أغنية من أغاني السنوات الخمس الأخيرة بالكاد ستعجب بأغنية أو أغنيتين. حتى الإعجاب سيكون نسبيا وليس مطلقا. بمعنى انك قد تعجب إلى حد ما بالكلمات ولن تعجب باللحن أو الأداء أو قد تعجب بالأداء ولا تعجب بالكلمات واللحن.


الاغاني العادية أو التافهة إن صح التعبير هي الأغاني التي تتربع على قمة الأغاني اليوم وتتداول بين الناس وتبث في الإذاعات وتغنى في الحفلات والمناسبات. وبلهجة الوسط الغنائي (ضاربة). لم تكن لتحصل على كل هذه الشهرة والمكانة لو أنها ظهرت في الثمانينات لكثرة الأغاني الجميلة بل سيكتب لها النسيان بل لن يلتفت لها احد. أما الأغاني القديمة فالإعجاب بها شامل لكل مكوناتها لحنا وكلماتا وأداءً.


الأغاني القديمة (الجميل منها وما أكثرها) تتجاوز حدود الزمن. أي أنها تبقى تغنى وتسمع وتبقى محفوظة عقودا من الزمن. الأغنية القديمة تدوم وتعمر طويلا في الذاكرة الجمعية. بينما الأغاني الجديدة ولأننا في عصر السرعة فقد انسحب هذا المبدأ حتى على الأغنية فأنتجت أغاني ذات صلاحية محدودة جدا. فهي سريعة في كتابتها وفي تلحينها وفي غنائها وفي مدة بقائها في ذاكرة الجمهور. فأغنية “لنا الله لمحمد عبده” مثلا عمرها اقترب من نصف قرن ومازالت تغنى في الحفلات والمناسبات وكأنها أغنية جديدة. أو أغنية “أبكي على ما جرا لي ياهلي” أو أغنية “يا ناعم العود” وغيرها كثير من الأغاني.


المطرب القديم ولقلة عدد المطربين في ذلك الوقت المرتبط بقلة الإنتاج كان يعمر طويلا في الساحة الغنائية حتى يأتي مطرب آخر ويزيحه من المشهد أما المطرب الجديد لا يمكث طويلا فالمطربين يتوالدون يومياً فلا يبقى طويلا في ذاكرة الجمهور لأنه أتى مطرب جديد وأزاحه.


قارن بين مكونات الأغنية الخليجية القديمة والأغنية الخليجية الجديدة في هذه العناصر الثلاث فستجد الفرق الهائل.


العنصر الأول الكلمات (الشاعر) الأغنية في السابق يكتبها شعراء كبار يمتلكون الموهبة والثقافة يصوغون الكلمة بإحساس عالي جدا من أمثال خالد الفيصل وبدر بن عبد المحسن وعيسى بن راشد وعبد اللطيف البناي وابراهيم خفاجي وبدر بورسلي وفايق عبدالجليل الخ. كلمات مستواها رفيع جدا مليئة بالمعاني والمضامين والصور الفنية الجميلة. من يكتب قصائد اليوم؟ مدعين الشعر. هم أرباع وأنصاف شعراء. أفسدوا الغناء بكلماتهم المتدنية وهبطوا بالذوق إلى الحضيض. كلمات الأغنية الجديدة كلمات عادية مباشرة بل أحيانا تصل إلى حد التفاهة لا تحمل في طياتها صورا شعرية مبتكرة ولا خيالا ولا إحساسا. مجرد صف كلام. أو هي شخابيط على الورق.


العنصر الثاني اللحن (الملحن) اللحن في الأغنية القديمة. تشعر أن اللحن متعوب عليه وتجد انه مناسب جدا للأغنية. لان الملحن نفسه يمتلك الموهبة والثقافة الموسيقية ومؤهل أكاديميا. يضع اللحن المناسب للأغنية المناسبة للمطرب المناسب بالمقاس. أما الآن فاللحن جاهز والكلمات توضع على مقاس اللحن وربما لا تناسب المطرب. ملحنون متواضعون فنياً هبطوا بالفن والذوق الجمالي. أين الملحنون الكبار الموهوبون والمثقفون موسيقياً من مثل عمر كدرس وعدنان خوج وسراج عمر والشهري ويوسف المهنا وأنور عبد الله وعبد الرب إدريس الخ.


العنصر الثالث الأداء (المطرب) لما كانت الكلمات متدنية واللحن ضعيف وكيفما اتفق كان من الطبيعي أن يكون الأداء سيئا وليس معبرا. فماذا بمقدور المطرب أن يفعل إذا كانت العناصر الأخرى لا تساعده على النجاح. فمهما كان صوته جميلا فالصوت وحده لا يكفي إذا كانت الكلمات واللحن لا يرتقيان للمستوى الفني المطلوب أو الحد الأدنى على الأقل.


ظهور الفضائيات نقطة تحول في الفن جرت معها الفيديو كليب والمسابقات الغنائية وبالتالي خرج للساحة عدد مهول من المطربين. من الطبيعي أنك لو قمت بفرزهم ربما ستخرج منهم بعدد بسيط يستحقوا أن يطلق عليهم فنانين. أما البقية فمن الممكن أن يصلحوا لأي شيء إلا الغناء. لا موهبة ولا صوت ولا ثقافة ولا إحساس ولا حضور الخ. لكن دائماً الكثرة تقلل من الجودة.


في الماضي (السبعينات والثمانينات) لا تخرج لنا أغنية إلا بعد أن تجاز كلماتها ولحنها وصوت الفنان من خلال لجنة للنصوص والألحان والأصوات. لو كانت هذه اللجنة موجودة إلى الآن لربما نصف المطربين في الساحة الآن لم يستطيعوا تجاوز عتبة الإذاعة أو التلفزيون. ولكنهم ولغياب هذه اللجنة باتوا نجوما في سماء الأغنية يوازون نجومية طلال مداح ومحمد عبده وعبد الكريم عبد القادر والجميري الخ. ولهم شعبية وجماهيرية لا يستحقونها بالطبع. وإن كان الشاعر والملحن هما الأساس في الأغنية ثم يأتي بعدهما دور الفنان.

عوامل أخرى ساهمت في هبوط الاغنية الخليجية منها الفضائيات (شرعت الابواب لأنصاف المطربين والكتاب والملحنيين).

وشركات الانتاج (بيدهم رأس المال وبالتالي يفرضون نمطا معينا من الأغاني لاسيما الأغاني الشبابية للحصول على المال لأنهم يتعاملون بعقلية ربحية بحتة).وهناك سبب مهم وهو تدني مستوى الكلمة. دخول الفيديو كليب أثر سلباً على الغناء لأنه أدى إلى الاهتمام بالعنصر البصري على حساب جودة النص .للموزع الموسيقي دور.تحول الفن إلى بزنس (تجارة).غياب النقد الحقيقي. الخ.