ما التناقض بين الأشعرية والتصوف ؟
سؤال غريب من فتى مكة وهو الذي يقدم نفسه على أنه "عقلاني " أو تنويري ، لكن يبدو أنه لا يكون عقلانيا إلا على أهل السنة ، أما الفرق الأخرى فما اسرعه في الدفاع عنهم والتبرير لهم .
التناقض بين الأشعرية والصوفية هو في أساس المعتقد ، ومنهج قَبول الأحاديث وردها عند الفريقين ، فالأشعري خرج لنا ببدعة حديث الأحاد الذي لا يؤخذ منه عقيدة ، وتثبته في تصحيح الأحاديث بعكس المتصوفة الذي يأخذون ما هب ودب من الروايات والخرافات ، بل وصل الأمر عند بعض المتصوفة أن ينكر الروايات ويقولون : أنتم تحدثون عن ميت ونحن نحدث عن الحي الذي لا يموت ، فالعقائد عندهم تأتي بالإلهام والوحي ، وزد على ذلك تصديقهم الشديد بكرامات الأولياء والتي لا ينكرها مسلم ، ولكن ليس كل شيء خارق كرامة .
والأشاعرة لا يؤمنون بالتجلي والحضور عند الصوفية ، ولا يأخذون بمصلح المريد والعارف والسالك ولا بمعناها عند الصوفية ، ولهم في صفات الله أقوال وافقوا بها أهل السنة وخالفوا بها كثيرا من المتصوفة ككون الله في كل مكان قال بها بعض الصوفية ونفاها بعض الأشاعرة ، والحلول ووحدة الوجود وكثير من العقائد .
فكيف لا يكون تناقض بين من نفى عقله وسلم أمره لشيخه كالصوفية وبين من
بالغ في تمجيد العقل حتى نفى صفات الله وأبقى على سبع صفات كالأشاعرة !
فرق كبير .
لذلك تعجبتُ وتعجب الباحث في الفيديو كيف يصدق عدنان ابراهيم أن صوفيا يطير في الهواء ليلقي درسه ، وهو الذي لا يأخذ بحديث الآحاد في العقائد ويؤول الصفات بدون دليل ولا حاجة .
وكون بعض العلماء تلبسوا بالتصوف ليس دليلا على سلامة المنهج ،
مع العلم أن بعضهم كان تصوفه من باب الزهد وتهذيب السلوك .
أما مسألة بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه فلا حاجة للخوض فيها لتهافت أدلتهم في ذلك
ولكن يكفي أن نعلم بأن الله كان وليس شيء معه ، ثم خلق العالم
فكيف يوصف الله تعالى قبل خلق العالم بأنه ليس خارج العالم ؟
لم يكن هنالك عالما حتى يوصف بأنه ليس في خارجه !
كان الله ولا شيء معه ، ثم خلق العالم فهو فوقه مستعل عليه سبحانه هو الأعلى
وهو حيث كان قبل خلق العالم بلا مكان كما كان قبل خلق المكان .
والحقيقة أن ابن تيمية له كلام أكثر من رائع في مسألة النفي المتكرر لصفات الله
والي سماها السلوب ، فهم يسلبون من الله تعالى كل صفة فينفونها ويثبتون الاسم
فهو عند بعض الفرق عليم بلا علم حي بلا حياة سميع بلا سمع قدير بلا قدرة
واثبت ابن تيمية معتمدا على اسلوب الاستقراء من الكتاب والسنة أن النفي في حق الله
لم يأتي في الكتاب والسنة إلا ليثبت صفة كمال مقابلها ، كما في قوله تعالى :
" لا تأخذه سنة ولا نوم " لاثبات صفة القيومية .
" لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض " اثبات لكمال علمه .
وهكذا في كل القرآن والسنة ، بخلاف هؤلاء الذي وصفوا الله بالسلب في كل شيء حتى يفروا
من التشبيه بالمخلوقات ، فوقعوا كما قال ابن تيمية في التشبيه بالمعدومات والجمادات .
فالقول بأن الله لا داخل العالم متفق عليه ، وفيه اثبات أنه فوق خلقه غير ملامس لهم
أما كونه ليس خارج العالم فإثبات لأي شيء ؟
ولا هو فوق ولا تحت ولا امام ولا خلف ما هي صفة الكمال المقابل لها !!
الموضوع طويل وخلاصته أننا نؤمن بما جاء في الكتاب والسنة
فالله هو الأعلى وإليه يصعد الكلم الطيب ، ورفع عيسى إليه
وهو مستو على عرشه فوق سماواته ، في السماء دون أن يكون
مداخلا لها ، فهو في السماء بمعنى فوق السماء ، بلا كيفية يعرفها المسلم
أما عقيدة لا فوق ولا تحت وداخل ولا خارج فهي بدعة لم تأت حتى في ضعيف موضوع .
والكلام عن التسنن الأموي أمر مضحك ، خاصة إذا عرفنا رأيك في كون الفتنة بين علي ومعاوية
كان لأسباب سياسية واجتماعية ولا يجب اخراجها من هذا السياق وإدخالها في الكفر والايمان
كما تفعل بعض الفرق ، وكما يفعل عدنان حينما يخرج النقاش إلى دائرة النفاق والمؤامرات .
ويكفي أن تعرف أن أهل السنة كلهم يعرفون أن الحق كان مع علي
وذلك ليس بلازم لهم أن يطعنوا في معاوية .
والغريب أنك توافق عدنان ابراهيم في سلسلة معاوية وهي قيمة كما ذكرتَ ، مع أنه خالفك
في كون الخلاف سياسي ، فجعله عدنان ايمان وكفر ، حتى أنه لا يترحم عليه ويترحم
على الكفار ، وخالف منهجه في الأحاديث ونقل كل ما يُسيء إلى معاوية صح ذلك أم ضعف !
وأنت ذكرتَ هذه الفقرة :
" ولكن تقديس شخصيات التاريخ وجعلها جزءا من الايمان ثم الانقسام الاسلامي حول تلك الحقبة واعتبار أن أي مقاربة موضوعية هي خدمة للطرف الآخر (التشيع كما يقولون) "
ألا نستطيع أن نقول أيضا :
ولكن تقديس شخصيات التاريخ وجعلها جزءا من الايمان ثم الانقسام الاسلامي حول تلك الحقبة واعتبار أن أي مقاربة موضوعية هي خدمة للطرف الآخر (التسنن الأموي كما يقولون) ؟؟
لا وجود لتسنن أموي إلا في عقول الشيعة ومن شابه عدنان ابراهيم .
ولو كان هنالك تسنن أموي فالحسن والحسين أول من دشناه ببيعتهم لمعاوية .