إذا ارتبطت الكلمة باللحن، فالصوت يرتبط كذلك باللحن !، ولأنه صعد دور الملحن باعتباره صنعة مستقلة عن الكتابة الشعرية والأداء الفني، فهي ترتبط بحكم المعادلة الثقافية بصناعة الأغنية، وحدث ذلك مع ملحنين عدة ارتباطهم مع أصوات يتمثلونها ويعيدون إنتاجها صوتياً.
وقد ظل سراج عمر مرتبطاً ومشعاً بصوت طلال مداح إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يحقق أعمالاً خارج مملكة مداح. إذ يصعب فصل تجربة تلحين سراج عمر عن صوت مداح غير أن الكثير من ألحانه جعلته مثار الإعجاب والتحاسد إذ إن عمراً لم يمنعها عن الأصوات بل أدى بنفسه ألحاناً لأدعية وقصائد وأناشيد وأغنيات لعل أشهرها وأكثر إذاعة لأكثر من عقدين نشيد "بلادي" (1976) من شعر سعيد فياض.
"بلادي بلادي منارُ الهدى ** ومهدُ البطولةِ عبرَ المدى
عليها ومنها السلامُ ابتدا ** وفيها تألقَ فجرُ الندى
حياتي لمجدِ بلادي فِدا"
بالإضافة إلى أغنيات أخرى وضعها لمناسبات دينية كشهر رمضان أو درامية إذاعية وتلفزيونية وعاطفية سجلها بصوته مثل "ما علينا".
إذا عرفت واحدة من الأغنيات العمرية مبكراً التي وضع لها لحناً راقصاً أي "من فينا يا هلت ترى" (1968) وأداها فوزي محسون كأنما تنهل من ألحانه فقد روي عمر حادثة مشاورته بلحن "من فينا يا هل ترى" الذي أسهم في كتابة نصه كل من صالح جلال وثريا قابل وإبراهيم خفاجي وبدر بن عبدالمحسن، فأعجبه وطلب أن يغنيه بحسب ما ورد في شهادته "ستبقى أعماله في سماء الأغنية السعودية" (كتاب: فوزي محسون: متعدي وعابر سبيل، محمد رجب، 1987، ص: 34)، وذاعت الأغنية حيث تنقلت بين صوت طلال مداح ثم عتاب 1987 ثم عبدالمجيد عبدالله 1992:
"من فينا يا هل ترى باع الهوى واشترى
وغش فيه وافترى وخان كل العهود"
بينما من تلك الأغنيات المنفردة خارج مملكة مداح أغنية "سرى ليلي" (1973) كتبها البدر –وأداها المغني الكويتي مصطفى أحمد الذي ذكر أنه دعي من مداح نفسه عندما كان يسجل أحمد أحد ألحان محمد الموجي حيث "عرضوا علي أن يكون هناك تعاون بيننا وفعلاً سمعوني أغنية (سرى ليلي) وقمت بتسجيلها في اليوم الثاني عندما زارني سراج عمر مع الفرقة الماسية بمشاركة يوسف الدوخي ومرزوق المرزوق، وبعد نجاح الأغنية بصوتي غناها طلال مداح وغيره من الفنانين" (حوار: محمد السعد، الرياض، 3 يوليو 2009) حيث كشف عمر مهارة في توظيف إيقاع فن المالد-القادري من طوره الخليجي:
"واعدوني القمر.. واثر القمر ناسي
مثل خلي هجر.. يا قلبه القاسي
واعدوني القمر.. واطفوا قناديلي"
وفي أثناء إنتاج مداح لبرنامج "سهرة سعودية " (1978) (إخراج بشير مارديني) استضاف فيه كلاً من الشاعر إبراهيم خفاجي والسيدة وردة والفنانة صباح حيث اقترح مداح على السيدة وردة أداء واحداً من ألحان عمر إما "أغراب" وإما "مقادير" ففضلت السيدة وردة الثانية وأدتها في تسجيل رائع ظل علامة حيث علق عمر بأنها "وفقت كثيراً وكانت في قمة توهجها حتى إنها ساهمت في نشر هذه الأغنية على مستوى العالم العربي" (حوار: صلاح مخارش، الجزيرة، 4 مارس 1999).
وأعطتها زخماً انفعالياً متميزاً سواء في تكريس نطق اللهجة السعودية الجديدة في الغناء أو القدرة الفائقة في الاستجابة المباشرة لتوازي الميزان الإيقاعي الذي يجمع أكثر من إيقاع عربي (الملفوف، الوحدة الشامية، العربي):
"على ميعاد حنا
والفرح كنا
وكنا بعاد وعشنا
ع الأمل حنا
وأثر الأمل كاذب وأثر الفرح غايب"
وعرفت واحدة من الأغنيات القلائل لمحمد عبده الممهورة بلحن سراج عمر وهي "مرتني الدنيا" (1980) البدر
"لا طاحت نجوم السما..
ولاتاه في الظَّلما قمر
لا تاقف الدَّنيا وتسأل عن خبر
ما به جديد"
ولعل من خلايا اللحن ما تسرب إلى ذاكرة الملحن عمر كدرس حيث لم ينفك أثره في صياغة لحنه "ليلة خميس" (1983)..
ويمكن التمثيل بأغنية وصفية رائعة لم توثق في مجموعات عبدالمجيد الغنائية التي أسهم عمر في تلحين بعض أغنياتها وإنما حفظها لنا تصوير المخرج محمد مقبل العتيبي في التلفزيون السعودي وهي "آه يا الرياض" (1987) البدر-عبدالمجيد عبدالله؛ حيث تعد الجسر الذي عبر منه الأخير إلى ألحان خالد الشيخ:
"ومرت سنين.. ومعها سنين
مرت وكنا صغيرين نجمع سواليف وحطب
ونرمي حصى أسرارنا.. وسط القليب
وهذي عروس الشمس توها تعدت للمغيب"
ولعل تلك الأغنيات لا تقل عما قدمه لمداح مثلما أنجز من ضمن ما يحفظ لتاريخ عمر اللحني حين قدم أوبريت "التوحيد" (1994) من شعر خالد الفيصل، و"فارس التوحيد" (1999) من شعر البدر شارك فيهما أكثر من صوت تقدمها مداح بالطبع.
وقد حقق عمر مع زملائه منذ الستينيات مع فرقة الخماسية في وضع مجموعة موسيقية شكلت مكتبة للإذاعة والتلفزيون ما بين 260 قطعة موسيقية موثقة من التراث، و40 قطعة موسيقية مستوحاة من التراث، ثم 22 قطعة موسيقية لألحان سعودية لطارق عبدالحكيم وعبدالله محمد وفوزي محسن بإشراف ميشيل المصري (1960-1969) لصالح الخطوط السعودية بالإضافة إلى دوره الثقافي الكبير حين وضع مع ناصر بن جريد فكرة تأسيس عام 1972 جمعية الثقافة والفنون ومجلة الفنون ورعاها لأكثر من ربع قرن.
