سؤال قد يوقظ حالة من النكران لدى طلاب علوم الحاسب الآلي الأميركيين، هل الألمان هم من اخترعوا الحاسب الآلي؟!، صحيح أنه أمر لا يمكن تصوره.. لكنه حقيقي في واقع الأمر، فعندما نفكر اليوم في البلدان المنتجة للحاسوب تتبادر إلى اﻷذهان الولايات المتحدة الأمريكية و”وادي السيليكون” أو بلدان جنوب شرق آسيا، لذا تزداد الدهشة عندما نعرف أن “ألمانيا” كانت مهد الثورة الرقمية قبل 70 عاماً.
حيث يعتقد الكثيرين أن اختراع جهاز “الحاسوب” يعود إلى رجل الأعمال الأشهر والأغنى فى العالم الأمريكى “بيل جيتس”، لكن الحقيقة أن أول كمبيوتر فى العالم تم اختراعه قبل ميلاد بيل جيتس نفسه بسنوات طوال، فلم تولد فكرة الكمبيوتر على يدي “بيل جيتس”، بل إن بداياته الحقيقية تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي في ألمانيا، حيث تشير شواهد قوية إلى أن المهندس الألماني “كونراد تسوزه” هو الذي بنى وأخترع أول حاسب آلي في العالم عام 1936م في مدينة برلين.
ولد “كونراد تسوزه” في الـ22 من يونيو 1910م بمدينة برلين، وقد أنهى في سن الــ25 دراسة الهندسة الميكانيكية بجامعة برلين شارلوتنبورج التقنية، ثم عمل لدى مصانع هنشل لصناعة الطائرات، في العام التالي ابتكر تسوزه تصوراً لآلات قابلة للبرمجة الحرة، والتي كان الهدف منها توفير عناء العمليات الحسابية على المهندسين، وقد تخلى تسوزه عن وظيفته حتى يتمكن من تطبيق أفكاره إلى أشياء ملموسة.
وفي نفس العام عندما كان”تسوزه” يبلغ من العمر 26 عاماً، عندما بنى حاسباً آلياً فى شقته، وكانت الآلة التى اخترعها بطول سرير مثبت فى جدار غرفة، وأطلق عليها “زد 1” والذي يعد أول آلة حاسبة فعالة في العالم.
وكان بإمكان “تسوزه” تحقيق ثروة تفوق ثروة “بيل جيتس” و “ستيف جوبز“، لو توافرت له إمكانات تسويقية مماثلة كتلك التى حظى بها كلاً من “جيتس” و “جوبز”، أو عاش في حقبة زمنية أخري، غير أن “كونراد تسوزه” الذي تدرب ليصبح مهندساً مدنياً، مع ميول للهندسة المعمارية والميكانيكية عاش فى حقبة الحكم النازى.
وفي عام 1938م انتهى “تسوزه” من إعداد اﻵلة الحاسبة الميكانيكية “زد”1، ولكنها لم تكن صالحة للاستخدام المستمر، نتيجة عدم جودة اﻷجزاء التي صنعت بها، اشتغلت اﻵلة وكان العمل بأنصاف لوغاريتمية ثنائية في حد ذاته حدثاً عالمياً، وكانت البرامج وفقاً لمنطلقات الجبر البولياني.
بدءاً من عام 1939م طوّر “تسوزه” من آلاته، وبعدما أدخل بعض التعديلات الفنية عليه، فـ مع مرور الوقت طور النسخة الأولى من جهازه ليخرج في عام 1941م النسخة الثانية منه “زد 3″، أول حاسب آلى رقمى تطبيقى عرفه العالم، والتي كان بها آلة حاسبة ومكان تخزين يعمل كمفتاح فصل وتوصيل آلي، وكان زد3 أول آلة حاسبة في العالم قابلة للبرمجة الحرة وقائمة على نظام العد الثنائي، واليوم يعد “زد3” عموماً أول حاسوب يعمل بفاعلية.
وكان ذلك فى مايو عام 1941م، حيث كانت الحرب العالمية الثانية قد بدأت بالفعل، وهو ما يعنى أن “تسوزه” قد فقد كل اتصال بالعلماء والمؤسسات العلمية فى كل من إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، الذين كانوا بالفعل يعملون على اختراع ذات الجهاز، وظل المخترع الألماني يعمل بمفرده، ويكسب قوت يومه من خلال العمل كمهندس في شركة «هنشل» لتصنيع الطائرات، ومقرها برلين.
تمثل الدافع الذي عزز لديه الرغبة في بناء آلته الذكية، بالأعمال الإحصائية والحسابية المملة الخاصة بعمليات تحليق الطائرات، آملا في أن ينقذه ذلك الاختراع من العمل المضني، وقال “تسوزه” مازحاً وهو يعرض للأسباب التي دفعته إلى اختراع هذه الآلة:- “أنا أكثر كسلاً من أن أجري الحسابات بنفسي”.
فى خضم الحرب أسس “تسوزه” بمفرده شركة “تسوزه أباراتى باو” أول شركة كمبيوتر فى العالم فى برلين، غير أن قنبلة سقطت فوق مقر الشركة عام 1945م وتحطم “زد 3″، فحاول العمل على النسخة الجديدة “زد 4” والتى لم تكتمل، وبعدها حاول “تسوزه” أن يبدأ العمل من جديد في ألمانيا الغربية. ويذكر “هورست تسوزه” الإبن الأكبر لـ”كونراد” تلك الفترة جيداً، فيقول عنها أن أبوه كان يسمح له وهو صغير أن يأخذ قطعاً من بقايا مهملة من الشركة التي تقع الآن في هيسن.
وقد حاز “تسوزه” على عدة جوائز لأعماله في مجال الكمبيوتر، وتفرغ بعد تقاعده للرسم التي كانت هوايته المحببة، وتوفي في 18 ديسمبر1995 م في هونفيلد، بالقرب من فولدا.
من المؤسف أن يُنسَب الفضل لغيـر أهله ، وأن يكون الرجل غير معروف للكثيــرين ، بعد كل ما قدمه من إنجــازات في عالم الحاسب الآلي.
