ظل متمسكاً بقناعاته الفنية ضد طوفان الأغنية الاستهلاكية
تكريم عبادي الجوهر في الاسكندرية.. مكافأة الدفاع عن قيم الفن والجمال
عبدالرحمن الناصر
لم يكن تكريم الفنان عبادي الجوهر مساء أول أمس في افتتاح مهرجان الاسكندرية الدولي للأغنية سوى تأكيد للقيمة التي بات يتمتع بها هذا الفنان الأصيل الذي حافظ على قيم الفن في زمن تساقط فيه بقية زملائه تحت ضغط المادة والتجارة!. لقد كرم عبادي الجوهر بصفته الممثل الوحيد المتبقي لأصالة الأغنية السعودية، وكرم معه على خشبة مسرح سيد درويش في أوبرا الاسكندرية نخبة من نجوم الطرب العربي؛ تقدمهم لطفي بوشناق ومحمد الحلو إلى جانب أحلام وأنغام.
هذا التكريم الذي وجده الجوهر في مصر جاء بعد تكريمين حصل عليهما خلال شهر واحد؛ أولهما كان في الرياض، والثاني في الكويت، وجميعها من قبل جهات رسمية معتبرة تؤكد رُقي مكانة الأخطبوط في المشهد الغنائي العربي، وتعطي إشارة إلى عودته لموقعه الصحيح في الساحة السعودية وذلك بعد غيابه المقصود في السنوات الماضية بسبب الفورة الغنائية الرخيصة التي طغت على الأغنية السعودية.
من المؤكد أن الكثير من الفنانين "النجوم" يتمنون أن يكونوا في مكان عبادي الجوهر هذه الأيام، وأن يتم تكريمهم بهذه الطريقة الراقية، لكنهم بعيدون عن ذلك لأنهم شوهوا قيمتهم بأغانيهم التجارية الهزيلة في الوقت الذي كان فيه عبادي يرفض كل الإغراءات المادية ويصر على تقديم الأغاني الأصيلة.
قبل سنوات طويلة كانت الساحة الفنية لا تتسع إلا لأربع زوايا متنافسة، كان الإعلام يضع الراحل طلال مداح ثم محمد عبده وعبادي الجوهر في ثلاث زوايا رئيسية، وكانت الزاوية الرابعة تتراوح بين عدة أسماء شابة في حينها؛ محمد عمر وعلي عبدالكريم ورابح وراشد وعبدالمجيد عبدالله. ثم بعد رحيل طلال وهيمنة فنان العرب على المشهد الغنائي بشكل مطلق، زالت نظرية الزوايا الأربع وأصبح كل فنان يُغرد على "ليلاه" وانتشرت موجة الأغاني الاستهلاكية وكان أولئك النجوم أبطالها.. عدا عبادي الجوهر الذي تمسك بقيمته وسار عكس التيار مفضلاً تقديم الفن للفن وعدم ابتذال نفسه وتاريخه الكبير.
فنان العرب الذي لم يعد كما كان، والذي أخطأ في أغنية "وحدة بوحدة"؛ تم تكريمه في سلطنة عمان قبل أشهر، لكنه لم يكن بمثل ما يحظى به عبادي من تكريم داخلي وعربي هذه الأيام. إن استمرارية تمسك عبادي الجوهر بقناعاته الفنية هو الذي أوصله لهذه المكانة التي يحتلها الآن. أصر على تقديم الفن بِرُقي وأصالة وتطريب وراهن على وعي الجمهور فكان له ما أراد وبقي حاضراً مؤثراً في قلوبهم.
قبل تكريم مهرجان الاسكندرية للأغنية كان له في الرياض تكريم خاص لمشواره ووفائه للأغنية السعودية وتقديمها بذات الشكل الذي بُنيت عليه، كان تكريماً رسمياً وجماهيرياً، وبداية لعودته للمهرجانات الغنائية والحفلات في الكويت وقطر والإمارات وعمان ومصر وغيرها، بشكل أعطى للأغنية السعودية قيمتها ونكهتها الأصيلة. هذا التواجد والاهتمام الذي يحظى به "أخطبوط العود" عبادي الجوهر من الإعلاميين والقائمين على المهرجانات، جعل منه الاسم الأول في قائمة الفنانين المكرمين، وأكد أنه المدافع الوحيد عن تاريخ وأصالة الأغنية السعودية.
عبادي بمسيرته الفنية المشرفة نتمنى أن يصبح قدوة للجيل الغنائي الجديد الذي تعود على الأغنية الفارغة، وأن يكون دليلاً لكل فنان شاب يريد أن تكون له قيمة عالية إذا احترف الغناء. ولعل التكريم الذي تحصل عليه من بلاد عربية مختلفة أن يكون سبباً في توجيه الأصوات الشابة نحو الطرب الأصيل البعيد عن الابتذال.
عبادي الجوهر في الوقت الحالي يقف لوحده في زاوية الأصالة تقابلها زاوية أخرى يقف فيها بقية الفنانين السعوديين وهي الزاوية التي امتلأت بضجيج الأغاني التافهة؛ بعض هؤلاء كان جيداً في يوم من الأيام لكنه لم يستطع الوقوف أمام الاجتياح الرأسمالي للساحة الغنائية. وبعضهم كانت بدايته توحي بأنه سيصبح ذا شأن إذا كبر لكنه خذل نفسه قبل أن يخذل الجمهور. عبدالمجيد عبدالله كان يمتلك كل الإمكانيات التي تجعله يقف الآن مع عبادي الجوهر لكنه لم يستطع الاستمرار ولم يقدم ذات الأصالة التي تجعل القائمين على المؤسسات الحكومية أو المهرجانات تبادر لتكريمه. هو وغيره كثير في ساحتنا الفنية. أما عبادي فقد كسب رهانه في وقت كان الجميع يتوقع هزيمته أمام طوفان الأغنية الاستهلاكية.
وجاء تكريمه ليؤكد أن التمسك بقيم الفن الجميل وعدم الرضوخ للسوق سيأتي بنتيجة إيجابية ولو بعد حين. الآن يجد عبادي الجوهر التقدير في كل مكان بعد أن حفظ الذوق الفني من الانهيار وبعد أن حارب لوحده -ولسنوات- التسطيح والتفاهة والرداءة.