مقال عجيب للمفكر السوري عبدالرزاق عيد
بين حزب الله- بين ولاية الفقيه الإيراني ووصاية الرفيق البعثي
ولد كائنا نغلا خلاسيا من صلب العروبة البعثية والشيعية الإيرانية الخمينية !
لابد للقارئ لهذا النص الذي بين يديه , من ان يتساءل مالذي يدفع كاتب وباحث مشغول بالقضايا الفكرية والنظرية لان يعطي هذا الحيز الواسع للحدث الذي شكله »حزب الله« في العقدين الاخيرين لبنانيا وعربيا بل واسلاميا?
لا شك ان الاجابة يشف عنها السؤال ذاته , وهو تشابك مجموع العناصر الوطنية والقومية والدولية في انتاج ظاهرته بوصفه تحقيقا وتحققا لذروة تجربة المأساة العربية والاسلامية اذ تستعلن ذاتها ببهجة احتفالية انتصارية قل نظيرها في استعلان الظفروية التي طالما فتحت جروحا وقروحا في جسد التجربة العربية والاسلامية خلال محنة مواجهة الاخر الاستعماري الغربي الاوروبي بالامس والاميركي اليوم , وذلك نظرا لرسالته ودعواه بوصفه ممثل رسالة الهية موجهة الى هذه المستويات الثلاثة :( لبنانية-عربية -اسلامية) من خلال الحاح خطابه في التوجه الى متلق ما بعد الوطن اللبناني , بل وتطلع هذا الخطاب الى ممكنات التسويق والاستهلاك العالمي عندما لقي صدى لدى اصوليات ليست اسلامية فحسب بل و(يساروية نضالوية) عالم ثالثية كمثال شافيز).
ولعل في المثال الاخير دلالة بالغة عند القراءة الدلالية لتجربة »حزب الله« , هذه الدلالة تتمثل في ان (شافيز) الشاب المتعاطف مع هذا الخطاب النضالوي , انما هو في حقيقة الامر تعبير عن طموح ان يكون نسلا نضاليا وفكريا اميركيا لاتينيا للنموذج الكوبي , اي ان يكون نسلا منحدرا من صلب شيخ طاعن -كاسترو- في الاصرار على شباب افكاره الستينية التي تعود الى زمن الستينات من القرن الماضي العشرين , ممثلا ب¯ (كاسترو) , هذا الرمز الذي ظل يذكرنا نحن الجيل الذي عشق رمزيته الرومانسية مع رفيق دربه غيفارا الذي مضى كنيزك في زمن تألق الرمز , في حين بقي زميله كاسترو وشما على ذاكرتنا الجريحة يعيد انتاج ذاته كشيخ كهنوتي في التأكيد على ابدية ثيولوجية تمجد (شخصانية المشروع الذي قضينا اعمارنا ونحن نراهن على مستقبلنا من خلاله) , اذ يصر الشيخ (اية الله الكوبي) ان يبقى حتى اللحظة الاخيرة يربط مصير المشروع الثوري بمصيره الشخصي الابدي اللاهوتي , بل ولا يجد خلال خمسين سنة من عمر التجربة من يثق بتسليم الوديعة المقدسة له سوى اخيه - لانه على الاغلب او من حسن الحظ - ليس لديه وريث من صلبه سوى ابنته الفاتنة التي فرت من فردوس ابيها الى الجحيم الامبريالي الذي يتيح لها ان تبتهج بمفاتنها التي وهبها لها الخالق , فعَوضه الله عنها اذ رزقه غلاما ذكيا (شافيز) بعد ان بلغ من العمر عتيا , فكانت هدية العرب والفرس لهذا الوليد الجديد هوية عربية اسلامية تكفل له شرف الشهادة ودخول الجنة بكفالة ايرانية مختومة من ولي الفقيه ووملاليه , ولا يلبث شافيز ان يمنحه الخطاب الشعبوي (العروبي- الاسلاموي) مكافاة جديدة تتمثل بالحصول على هوية القومية العربية المظفرة تقديرا وتكريما لشجاعته واخلاصه , وذلك كرم عربي استثنائي في عصرنا اذ نتفضل نحن العرب بمكافاة الشعوب غير العربية في بلادنا بمنحها هويات عربية رغما عن انفها , و ان اكثر من عرف هذا الكرم العربي هم الكرد الذين نصر -محبة بهم- ان نمنحهم شرف امتلاك الهوية العربية اذ نفرض عليهم ان يكونوا عربا بالقوة تعويضا لهم عن هويتهم الكردية التي لاتروق للرفاق العروبويين ...
هذا الشاب (شافيز) المندفع بمرح وبهجة للتجاوب مع نضالية »حزب الله« بعد ان كافاه السيد نصر الله بمنحه الجنسية العربية ولاحقا الايرانية , فاعتبره عربيا اكثر من اهل نجد والحجاز الذين وبخوا مغامرته الجهادية !
هذا الشافيز المسكين -بحماسه الايديولوجي- غاب عنه ان هذه الهوية العروبية الممهورة ب¯ ( انتصار »حزب الله«) ليست -في المال - الا هوية هزائم لاكثر من نصف قرن , وانها ليست اخيرا الا دعوة للمشاركة في الغنائم القومية التي توجها صدام حسين في ام الحواسم بعد ان كان شافيز هو الوحيد الذي حاول فك عزلته بزيارته قبل (ام حواسمه) في سقوط بغداد بايام , بالاضافة لللمشاركة بغنائم القاعدة وطالبان في رمزها (الابن لادني) الذي غزا نيويورك في عقر دارها ودمر ابراجها على رؤوس اهلها تدميرا مبينا ...!
»حزب الله« اعاد لنا ذاكرة شباب فجائعنا الايديولوجية والسياسية والنضالية الوطنية والقومية (الستينية) اذ يدعونا الى مائدتنا (اليساروية والقوموية) ليطعمنا طبخاتنا الفاسدة , تماما كما فعل شافيز عالميا وامميا , اذ اراد »حزب الله« ان يكون سليل نسل المشروع (القوموي واليساروي العربي) بعد ان اخترق العقم صلب واصلاب هذا المشروع , ولما كان المشروع النضالوي العربي قد دخل طور العناية المشددة , وجد »حزب الله« في ملالي ايران الاب البديل , ولذلك فقد ولد كائنا نغلا خلاسيا , من صلب العروبة البعثية ممزوجة بالشيعية الايرانية الخمينية , فكان منذ اللحظة الاولى نتاج ابوة (عربية -ايرانية ) , لام لبنانية اجدب الدهر رحم شبابها العروبي بفضل الاشقاء الكبار , بعد ان تحملت بالنيابة عن شقيقاتها العربيات عمليات اغتصاب متكررة من الجيران ابناء داوود ...!
وبلغة تقريرية مباشرة نقول: ان مجموع الهزائم التي لحقت بايديولوجيا النضال العربي بشقيه القومي واليساري العربي ضد اسرائيل يواصلها »حزب الله« جهاديا اسلاميا , عبر التوهم الاصولي الدارج بان الهزائم العربية السابقة انما هي بسبب (الابتعاد عن الله) , وان الحل - ببساطة - هو بالغاء هذا السبب , اي باعلان الاقتراب من الله , بل والاعلان بحماس ورع يشخصن الله في صورة قائد جماعة , فاعلنوا انهم (»حزب الله«) وراحت ادبياتهم تتحدث عن (روح الله : المتعينة برجالات الله - الانتصار الالهي - العناية الالهية التي توجه الصواريخ ... الخ) حيث استيهاماتها تمتح من صور الله (التلمودية) الذي يقاتل مع (انصاره , قبيلته) , وتاسيسا على فقه التعبئة الالهية هذا كان لابد من عملية تمويه ايديولوجية طالما يلجا الخطاب الاسلاموي لها وهو تضييع الحدود بين الشريعة والفقه : لفقهنة الشرع وشرعنة الفقه عبرالخلط الايديولوجي المقصود بين الالهيات والانسانيات ليمتلك الامام ولي الفقيه ووكيله ووكيل وكيله تجليات بشرية للذات الالهية , وهذا ما يتيح صناعة استثنائية للزعيم في التاريخ يتداخل فيه البشري بالالهي مما ينتج عنه ثقافة شيطنة الاخر على اعتبار ان التاريخ هو تاريخ صراع بين »حزب الله« وحزب الشيطان, وعلى ضوء هذا الفهم يتأسس فقه الكراهية للاخر العدو عالميا في الخارج والمختلف في الداخل بمثابته خائنا وعميلا للعدو العالمي , وبهذا فقد قام الاسلام السياسي الشيعي الايراني وتابعه العربي بعملية تصفية مروعة معرفيا لأرقى الاستيحاءات التي حققها التراث الفلسفي الروحاني الاسلامي-وخاصة الشيعي- عن الله الذي يسكن كل مفاصل الوجود , والذي يفيض على العالم حبا وحقا وجمالا وروعة وعذوبة تسري في الليل اذا عسعس والنهار اذا تنفس , حيث كرسيه وسع السموات والارض وما دونهما وما بعدهما بوصفها تجليات حضوره الباعث للرعشة الروحية في ضمير الكون والكائنات التي هي عياله وحيث قوة حقه تتجلى في روعة خلقه ...
الله : الحقيقة والخير والجمال الذي لم يوصد المذهب الشيعي-من حسن الحظ- دونه ابواب تدفقه الفلسفي الصوفي الى حياض الثقافة الاسلامية , تحول على يد »حزب الله« - بعد ان غدا الوكيل الرسمي الشرعي لولاية فقه ملالي ايران اصحاب مشروع (قومنة الدين) - الى (رب الجند) , رب رجالات »حزب الله« , الذي جعلوا من الله ملكية خاصة , وذلك عندما جعلوه نعت هويتهم وصفة ذاتهم, وعلى هذا فالاخر وفق مبدا الهوية هذا , سيكون خارج الحضرة الالهية وحوزة سدنة هيكله ودائرته ورحمته , ليكون »حزب الله« على يمين الاصولية الاسلامية الاخوانية المعاصرة التي طورت برامجها -منذ عقدين- باتجاه ان تكون ذات مشاريع مدنية تنبذ العنف وتعترف بالتعدد والتعايش والتغاير وتدعو الى التداول السلمي للسلطة , حيث يقتصر فيها العنصر الاسلامي على بعده الحضاري والمدني عبر القطيعة مع النزعة التكفيرية التي انتقلت لحوزة »حزب الله« في صيغة النزعة التخوينية , وذلك بانتاج تاويل شيعي نضالوي جهادي تؤطره الترسيمة النضالوية للسيد قطب الذي قطعت معه كل تيارات الاسلام الوسطي المعتدل , وذلك لان السيد قطب يعتبر اي فكر بشري مدني اجتماعي يسعى لتنظيم شؤونه الذاتية بنفسه هو اعتداء على حقوق الله في وصايته على خلقه , ومشيئته على اراداتهم , هذه الترسيمة النظرية (القطبية) تخلت عنها معظم الحركات الاسلامية الاخوانية , وخاصة الاخوان المسلمين السوريين الذين لايزال النظام السوري الحليف لايران و»حزب الله« يلاحقهم ويحاكمهم بقانون الذبح (49 ) , رغم تخليهم عن مفهوم الدولة الدينية (الثيوقراطية ) التي يمارسها ولي الفقيه والملالي في ايران , اوكما يحلم »حزب الله« باقامتها في لبنان حتى ولو على رقعة جغرافية مجتزاة من لبنان لاستحالة مشروع دولته الالهية الشمولية على كلية لبنان التعددي المدني الحضاري صاحب الدور الريادي النهضوي الحداثي عربيا منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم رغم كل المحاولات لاطفاء ما تبقى من اشعاعه المدني الديموقراطي , وعلى هذا يبدو التحالف بين حزب البعث السوري الذي يفترض انه حزب قومي وضعي دنيوي علماني ذي مرجعية بشرية وبين ايران و»حزب الله« ذوي المرجعية الالهية الذي مناط نظرية ولاية الفقيه لديه هي عدم مسؤولية الامام امام البشر او تجاه شرعية العقد الاجتماعي , وذلك لان سلطته يستمدها من الله لا من البشر , وعلى هذا فهو مسؤول امام الله وليس امام البشر الفانين , ان هذا التحالف بين ولاية الفقيه الايراني- اللبناني من جهة ووصاية الرفيق البعثي من جهة اخرى , ومن ثم التشريع البعثي - في الان ذاته - للذبح القانوني المشرعن للاسلاميين السوريين المعتدلين ال*****ن للعنف برنامجيا وميثاقيا ككل قوى المجتمع المدني السوري الذي لم يبق فيه سوى السلطة داعية وممارسة للعنف الدائم , ان هذا التحالف يبدو مفارقة نظرية ممزقة للعقل , حيث لايطيقها سوى عقل انفصامي شيزوفريني عصبوي وعُصابي ...!