.
الحب .. يهذب المشاعر والسلوك ويرقق العاطفة ويرتقي باللغة.
قبل الحب، الحياة بدون ألوان محددة، لكنها ليست باهتة بالضرورة. من لم يختبر الألوان لن يستطيع الجزم بافتقاره لها.
بعد الحب، هناك ثلاث مساحات من الألوان، الزاهية والقاتمة، وهنالك الرمادي .. الباهت قطعاً.
يغمرنا الزهو والنشوة في البياض، وكذلك الشعور بالإنجاز والقيمة، حد السكون والرضا. نستمتع بكامل الوقت دون التفكير في أي شيء ذا مغزى أو عديم الجدوى، فنحن في غمرة سحر الحب ليس لدينا الوقت لشيء سوى البهجة من اقصى أعماقنا حتى أطراف جوارحنا.
وفي السواد يجتاحنا البؤس كموجٍ هادر في ليلٍ عاصف! تختلط الضربات الموجعة بحلوكة الوقت واهتزاز البوصلة فلا نعُد مدركين لماهيّتنا وسبيلنا، الموبوء بالعتمة والأشواك والشقوق الكبيرة. أما في حياة البرزخ، الرمادي الباهت، فنبلغ مرحلة تمني عدم معرفة الألوان! نلتفت للوراء فنرى الأبيض أطياف، نرى السهول أحضان، السحاب، النجوم والقمر .. عرس السماء المدهش، برغم سرمديته! نشخص ببلاهة في الآتي فنرى الظلام لونا والمجهول وجهة والحيرة عقيدة والوهن متوكئَا. في الرمادي تتزاحم نوبات البياض والسواد، البسمة والدمعة، الشك واليقين، الدعوات واللعنات، النزق والفتور! في الفترة الباهتة تقوم الذاكرة بدورٍ مزدوج، تبعث بعض الذكريات من مرقدها وتطمس أخرى، ثم تعيد الكرة معكوسة في نوباتٍ نفسية مختلفة! ولا ندري هل نوباتنا المزاجية هي من تعبث بأقدار الذكريات أم أن الذاكرة هي من تعصف بأمزجتنا من خلال ما تنتقيه من صور ومواقف مغروسة في بقاعها الشاسعة وأطرافها المترامية! الانتظار والندم هها الصبغة السائدة في هذا الوقت، ندمٌ على بداية لم تدم وذكريات لا تزول؛ وانتظارٌ لا يقر بعقمه ولا يأتي ببوارق أملٍ يدحر طغيان اليأس.
وما بين حبٍ عاصف يزخر بكل الفصول والطقوس، وبين حياةٍ هادئة وباردة .. تبقى خياراتنا قليلة، ومن ظن أنه سيد القرار وربّان الطريق فقد وهِم، وشابه من أمعن في الحديث عن الألوان دون أن يختبرها.