هو الشيخ العلامة ، شيخ الآداب أبو العلاء ; أحمد ، التنوخي المعري الأعمى ، اللغوي ، الشاعر ، صاحب التصانيف السائرة ، والمتهم في نحلته .

ولد في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة .

وأضر بالجدري وله أربع سنين وشهر; سالت واحدة ، وابيضت اليمنى ، فكان لا يذكر من الألوان إلا الأحمر ، لثوب أحمر ألبسوه إياه وقد جدر ، وبقي خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم تزهدا فلسفيا،

وحدثت أنه مرض مرة، فوصف الطَّبيب له الفروج، فلما جيء به لمسه بيده وقال: "استضعفوك فوصفوك، هلا وصفوا شبل الأسد.

وكان قنوعا متعففا ، له وقف يقوم بأمره ، ولا يقبل من أحد شيئا ، ولو تكسب بالمديح لحصل مالا ودنيا ، فإن نظمه في الذروة ، يعد مع المتنبي والبحتري .

وكان غذاؤه العدس ونحوه ، وحلواه التين ، وثيابه القطن ، وفراشه لباد وحصير بردي وفيه قوة نفس وترك للمنن ، عورض في وقفه ، فسافر إلى بغداد يتظلم في سنة تسع وتسعين ، وحدث بها بديوانه سقط الزند .

يقال : كان يحفظ كل ما مر بسمعه ، ويلازم بيته ، وسمى نفسه رهين المحبسين ; للزومه منزله وللعمى ، وقال الشعر في حداثته ، وكان يملي تصانيفه على الطلبة من صدره .

وكانت علته ثلاثة أيام ، ومات في أوائل شهر ربيع الأول من سنة تسع وأربعين وأربعمائة... وعاش ستا وثمانين سنة .


مختارات من شعر "رهين المحبسين":

• لن تستقيم أمور الدنيا في عصرٍ / ولا استقامت فذا أمناً وذا رعبا
ولا يقوم على حق بنو زمن / من عهد آدم كانوا في الهوى شُعبا*


• ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة / وحقّ لسكان البسيطة أن يبكوا
يحطمنا ريب الزمان كأننا / زجاج ولكن لا يعاد له سبك


• كم يقتل الناس، ما همّ الذي عمدت / يداه للقتل، إلا أخذه السلبا
بالخُلفِ قام عمود الدين طائفة / تبني الصروح وأخرى تحفر القُلُبا
الدين إنصافك الأقوام كلهم / وأي دين لآبي الحق إن وجبا


• ما فيهمُ برّ ولا ناسك / إلا الى نفع له يجذب
أفضل من أفضلهم صخرة / لا تظلم الناس ولا تكذب


• نحن البريةُ أمسى كلنا دنفاً / يحب دنياه حبّاً فوق ما يجبُ


• لو تعلم الأرض ما أفعال ساكنها / لطال منها لما يأتي به العجبُ


• كذب الظنّ لا إمام سوى العقل مشيراً في صبحه والمساء
فانفرد ما استطعت فالقائل الصادق يضحي ثقلاً على الجلساء*


• وقد بلونا العيش أطواره / فما وجدنا فيه غير الشقاء


• قد فقد الصدق ومات الهدى / واستحسن الغدر وقلّ الوفاء


• قضى الله أن الآدمي معذّب / الى أن يقول العالمون به: قضا
فهنىء ولاة الميت يوم رحيله / أصابوا تراثاً واستراح الذي مضى


•فلا تدنُ من جاهل آهلٍ / لو انتزعت خمسه ما درى
نزولُ كما زال أجدادنا / ويبقى الزمان على ما نرى
نهار يضيء وليل يجيء / ونجم يغور ونجم يُرى


• إذا رام كيداً بالصلاة مقيمها / فتاركها عمداً الى الله أقربُ


• أيعقل نجم الليل أو بدر تمّه / فيصبح من أفعالنا يتعجّبُ


• إن مازت الناس أخلاق يعاش بها / فإنهم عند سوء الطبع أسواءُ


• مُلّ المقام فكم أعاشر أمة / أمرت بغير صلاحها أمراؤها


• فقدت في أيامك العلماء / وادلهمّت عليهم الظلماءُ
وتغشّى دهماءنا الغيُّ لما / عُطلت من وضوحها الدهماءُ


• أولو الفضل في أوطانهم غرباء / تشذ وتنأى عنهم القرباءُ
تثاءب عمرو إذ تثاءب خالد بعدوى فما أعدتني الثؤباءُ


• قد حُجب النور والضياء / وإنما ديننا رياءُ
وهل يجود الحيا أناساً / منطوياً عنهم الحياءُ
ياعالم السوء ما علمنا / أن مصلّيك أتقياءُ
لا يكذبن امرؤ جهول / ما فيك لله أولياءُ


• إذا قومنا لم يعبدوا الله وحده / بنصح فإنا منهمُ برآءُ


• بني الدهر مهلاً إن ذممت فعالكم / فإني بنفسي لا محالة أبدأُ


• يقولون إن الخمر تودي / بما في الصدر من همّ قديم
ولولا أنها باللبّ تودي / لكنت أخا المدامة والنديم


• عصا في يد الأعمى يروم بها الهدى / أبرّ له من كل خدن وصاحب
فأوسع بني حواء هجراً فإنهم / يسيرون في نهج من الغدر لاحبِ
إذا ما أشار العقل بالرشد جرّهم / الى الغيّ طبع أخذه أخذ ساحبِ


• نهاني عقلي عن أمور كثيرة / وطبعي إليها بالغريزة جاذبي
ومما أدام الرزء تكذيب صادق / على خبرة منا وتصديق كاذبِ


• فاحذر من الإنس أدناهم وأبعدهم... وإن لقوك بتبجيل وترحابِ


• كم أمة لعبت بها جُهالها / فتنطّست من قبل في تعذيبها


• تنافس قوم على رتبة / كأن الزمان يديم الرتب
ودنياك غرّ بها جاهل / فتبّت على كل حال وتب


• ثيابي أكفاني ورمسي منزلي / وعيشي حمامي والمنية لي بعثُ


• أراني في الثلاثة من سجوني / فلا تسأل عن الخبر الخبيثِ
لفقدي ناظري ولزوم بيتي / وكون النفس في الجسد الخبيثِ


• بني زمني هل تعلمون سرائراً علمت ولكني بها غير بائحِ
سريتم على غيّ فهلا اهتديتم / بما خيرتكم صافيات القرائحِ
وصاح بكم داعي الضلال فمالكم / أجبتم على ما خيّلت كل صائحِ
متى ما كشفتم عن حقائق دينكم / تكشفتمُ عن مخزيات الفضائحِ


• وأزهد في مدح الفتى عند صدقه / فكيف قبولي كاذبات المدائحِ


• عاشوا كما عاش آباء لهم سلفوا / وأورثوا الدين تقليداً كما وجدوا
فما يراعون ما قالوا وما سمعوا / ولا يبالون من غيّ لمن سجدوا
والعدمُ أروح مما فيه عالمهم / وهو التكلّف إن هبوا وإن هجدوا


• ما الخير صوم يذوب الصائمون له / ولا صلاة ولا صوف على الجسد
إنما الخير ترك الشر مطّرحاً / ونفضك الصدر من غلّ ومن حسد


• فشاور العقل واترك غيره هدراً / فالعقل خير مشير ضمه النادي


• لو أني كلب لاعترتني حمية / لجروي أن يلقى كما لقي الإنسُ
أرى الحيّ جنساً ظل يشمل عالمي / بأنواعه لا بورك النوع والجنسُ


• يسوسون الأمور بغير عقل / فينفذ أمرهم ويقال ساسه
أفٍّ من الحياة وأُف مني / ومن زمن رئاسته خساسه


• خصاؤك خير من زواجك حرة / فكيف إذا أصبحت زوجاً لمومسِ


• يا أمة ما لها عقول / وفقد ألبابها دهاها
تسلّت النفس عن كل شيء / إلا نُهاها وما نهاها


• لقد فُقد الخير بين الأنام / والشرّ في كل وجه يعن
أعن بجميل إذا ما حضرت / وعِد بالسكوت إذا لم تُعن


• يخبّرونك عن رب العلى كذبا / وما درى بشؤون الله إنسانُ


• إثنان أهل الأرض ذو عقل بلا دين وآخر ديّن لا عقل له


• تعب كلها الحياة فما أعجب إلّا من راغب في ازدياد
إن حزناً في ساعة الموت أضعاف سرور في ساعة الميلاد
والذي حارت البرية فيه حيوان مستحدث من جمادِ
واللبيب اللبيب من ليس يغترُّ بكونٍ مصيره للفساد


منقول من مصدرين.