مشاهدة النتائج 1 الى 15 من 15

الموضوع: شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء

  1. #1
    عضو لم يفعل اشتراكه
    الحاله : فـلاش غير متصل
    تاريخ التسجيل: May 2008
    رقم العضوية: 102408
    مشاركات: 4,893

    شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء







    هو الشيخ العلامة ، شيخ الآداب أبو العلاء ; أحمد ، التنوخي المعري الأعمى ، اللغوي ، الشاعر ، صاحب التصانيف السائرة ، والمتهم في نحلته .

    ولد في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة .

    وأضر بالجدري وله أربع سنين وشهر; سالت واحدة ، وابيضت اليمنى ، فكان لا يذكر من الألوان إلا الأحمر ، لثوب أحمر ألبسوه إياه وقد جدر ، وبقي خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم تزهدا فلسفيا،

    وحدثت أنه مرض مرة، فوصف الطَّبيب له الفروج، فلما جيء به لمسه بيده وقال: "استضعفوك فوصفوك، هلا وصفوا شبل الأسد.

    وكان قنوعا متعففا ، له وقف يقوم بأمره ، ولا يقبل من أحد شيئا ، ولو تكسب بالمديح لحصل مالا ودنيا ، فإن نظمه في الذروة ، يعد مع المتنبي والبحتري .

    وكان غذاؤه العدس ونحوه ، وحلواه التين ، وثيابه القطن ، وفراشه لباد وحصير بردي وفيه قوة نفس وترك للمنن ، عورض في وقفه ، فسافر إلى بغداد يتظلم في سنة تسع وتسعين ، وحدث بها بديوانه سقط الزند .

    يقال : كان يحفظ كل ما مر بسمعه ، ويلازم بيته ، وسمى نفسه رهين المحبسين ; للزومه منزله وللعمى ، وقال الشعر في حداثته ، وكان يملي تصانيفه على الطلبة من صدره .

    وكانت علته ثلاثة أيام ، ومات في أوائل شهر ربيع الأول من سنة تسع وأربعين وأربعمائة... وعاش ستا وثمانين سنة .


    مختارات من شعر "رهين المحبسين":

    • لن تستقيم أمور الدنيا في عصرٍ / ولا استقامت فذا أمناً وذا رعبا
    ولا يقوم على حق بنو زمن / من عهد آدم كانوا في الهوى شُعبا*


    • ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة / وحقّ لسكان البسيطة أن يبكوا
    يحطمنا ريب الزمان كأننا / زجاج ولكن لا يعاد له سبك


    • كم يقتل الناس، ما همّ الذي عمدت / يداه للقتل، إلا أخذه السلبا
    بالخُلفِ قام عمود الدين طائفة / تبني الصروح وأخرى تحفر القُلُبا
    الدين إنصافك الأقوام كلهم / وأي دين لآبي الحق إن وجبا


    • ما فيهمُ برّ ولا ناسك / إلا الى نفع له يجذب
    أفضل من أفضلهم صخرة / لا تظلم الناس ولا تكذب


    • نحن البريةُ أمسى كلنا دنفاً / يحب دنياه حبّاً فوق ما يجبُ


    • لو تعلم الأرض ما أفعال ساكنها / لطال منها لما يأتي به العجبُ


    • كذب الظنّ لا إمام سوى العقل مشيراً في صبحه والمساء
    فانفرد ما استطعت فالقائل الصادق يضحي ثقلاً على الجلساء*


    • وقد بلونا العيش أطواره / فما وجدنا فيه غير الشقاء


    • قد فقد الصدق ومات الهدى / واستحسن الغدر وقلّ الوفاء


    • قضى الله أن الآدمي معذّب / الى أن يقول العالمون به: قضا
    فهنىء ولاة الميت يوم رحيله / أصابوا تراثاً واستراح الذي مضى


    •فلا تدنُ من جاهل آهلٍ / لو انتزعت خمسه ما درى
    نزولُ كما زال أجدادنا / ويبقى الزمان على ما نرى
    نهار يضيء وليل يجيء / ونجم يغور ونجم يُرى


    • إذا رام كيداً بالصلاة مقيمها / فتاركها عمداً الى الله أقربُ


    • أيعقل نجم الليل أو بدر تمّه / فيصبح من أفعالنا يتعجّبُ


    • إن مازت الناس أخلاق يعاش بها / فإنهم عند سوء الطبع أسواءُ


    • مُلّ المقام فكم أعاشر أمة / أمرت بغير صلاحها أمراؤها


    • فقدت في أيامك العلماء / وادلهمّت عليهم الظلماءُ
    وتغشّى دهماءنا الغيُّ لما / عُطلت من وضوحها الدهماءُ


    • أولو الفضل في أوطانهم غرباء / تشذ وتنأى عنهم القرباءُ
    تثاءب عمرو إذ تثاءب خالد بعدوى فما أعدتني الثؤباءُ


    • قد حُجب النور والضياء / وإنما ديننا رياءُ
    وهل يجود الحيا أناساً / منطوياً عنهم الحياءُ
    ياعالم السوء ما علمنا / أن مصلّيك أتقياءُ
    لا يكذبن امرؤ جهول / ما فيك لله أولياءُ


    • إذا قومنا لم يعبدوا الله وحده / بنصح فإنا منهمُ برآءُ


    • بني الدهر مهلاً إن ذممت فعالكم / فإني بنفسي لا محالة أبدأُ


    • يقولون إن الخمر تودي / بما في الصدر من همّ قديم
    ولولا أنها باللبّ تودي / لكنت أخا المدامة والنديم


    • عصا في يد الأعمى يروم بها الهدى / أبرّ له من كل خدن وصاحب
    فأوسع بني حواء هجراً فإنهم / يسيرون في نهج من الغدر لاحبِ
    إذا ما أشار العقل بالرشد جرّهم / الى الغيّ طبع أخذه أخذ ساحبِ


    • نهاني عقلي عن أمور كثيرة / وطبعي إليها بالغريزة جاذبي
    ومما أدام الرزء تكذيب صادق / على خبرة منا وتصديق كاذبِ


    • فاحذر من الإنس أدناهم وأبعدهم... وإن لقوك بتبجيل وترحابِ


    • كم أمة لعبت بها جُهالها / فتنطّست من قبل في تعذيبها


    • تنافس قوم على رتبة / كأن الزمان يديم الرتب
    ودنياك غرّ بها جاهل / فتبّت على كل حال وتب


    • ثيابي أكفاني ورمسي منزلي / وعيشي حمامي والمنية لي بعثُ


    • أراني في الثلاثة من سجوني / فلا تسأل عن الخبر الخبيثِ
    لفقدي ناظري ولزوم بيتي / وكون النفس في الجسد الخبيثِ


    • بني زمني هل تعلمون سرائراً علمت ولكني بها غير بائحِ
    سريتم على غيّ فهلا اهتديتم / بما خيرتكم صافيات القرائحِ
    وصاح بكم داعي الضلال فمالكم / أجبتم على ما خيّلت كل صائحِ
    متى ما كشفتم عن حقائق دينكم / تكشفتمُ عن مخزيات الفضائحِ


    • وأزهد في مدح الفتى عند صدقه / فكيف قبولي كاذبات المدائحِ


    • عاشوا كما عاش آباء لهم سلفوا / وأورثوا الدين تقليداً كما وجدوا
    فما يراعون ما قالوا وما سمعوا / ولا يبالون من غيّ لمن سجدوا
    والعدمُ أروح مما فيه عالمهم / وهو التكلّف إن هبوا وإن هجدوا


    • ما الخير صوم يذوب الصائمون له / ولا صلاة ولا صوف على الجسد
    إنما الخير ترك الشر مطّرحاً / ونفضك الصدر من غلّ ومن حسد


    • فشاور العقل واترك غيره هدراً / فالعقل خير مشير ضمه النادي


    • لو أني كلب لاعترتني حمية / لجروي أن يلقى كما لقي الإنسُ
    أرى الحيّ جنساً ظل يشمل عالمي / بأنواعه لا بورك النوع والجنسُ


    • يسوسون الأمور بغير عقل / فينفذ أمرهم ويقال ساسه
    أفٍّ من الحياة وأُف مني / ومن زمن رئاسته خساسه


    • خصاؤك خير من زواجك حرة / فكيف إذا أصبحت زوجاً لمومسِ


    • يا أمة ما لها عقول / وفقد ألبابها دهاها
    تسلّت النفس عن كل شيء / إلا نُهاها وما نهاها


    • لقد فُقد الخير بين الأنام / والشرّ في كل وجه يعن
    أعن بجميل إذا ما حضرت / وعِد بالسكوت إذا لم تُعن


    • يخبّرونك عن رب العلى كذبا / وما درى بشؤون الله إنسانُ


    • إثنان أهل الأرض ذو عقل بلا دين وآخر ديّن لا عقل له


    • تعب كلها الحياة فما أعجب إلّا من راغب في ازدياد
    إن حزناً في ساعة الموت أضعاف سرور في ساعة الميلاد
    والذي حارت البرية فيه حيوان مستحدث من جمادِ
    واللبيب اللبيب من ليس يغترُّ بكونٍ مصيره للفساد


    منقول من مصدرين.


    والنفسُ راغبةٌ إذا رَغَّبتها = وإِذا تُردُّ إلى قليلٍ تَقنعُ.


  2. #2
    طلالي مميز
    الحاله : أبيات الغرام غير متصل
    تاريخ التسجيل: Oct 2010
    رقم العضوية: 244644
    المكان: البحرين
    الهواية: القراءة، الموسيقى، السباحة، الرماية، و ركوب الخيل!
    السيرة الذاتيه: و من يعرف السيرة ؟
    مشاركات: 7,877
    موضوع جميل للتعريف بهذه الشخصية العظيمة الاستثنائية .. سأحاول أن أضيف بعض النقاط و المقالات ..

    شكراً لك ..

  3. #3
    طلالي مميز
    الحاله : أبيات الغرام غير متصل
    تاريخ التسجيل: Oct 2010
    رقم العضوية: 244644
    المكان: البحرين
    الهواية: القراءة، الموسيقى، السباحة، الرماية، و ركوب الخيل!
    السيرة الذاتيه: و من يعرف السيرة ؟
    مشاركات: 7,877
    قتلوا «كلب المعرة»؟
    مصطفى زين
    السبت ١٦ فبراير ٢٠١٣

    يروى أن أبو العلاء المعري قصد جامعاً في بغداد، وبينما كان سائراً وسط الناس اصطدم، وهو الأعمى، بأحدهم. غضب الرجل غضباً شديداً وسأله: أيها الكلب من أنت؟ فما كان من المعري إلا أن رد عليه قائلاً: الكلب من لا يعرف سبعين اسماً لهذا الحيوان.
    بعضهم، يشرح هذا الرد فلسفياً فيرى أن رهين المحبسين وضع من شتمه، ومن لا يعرف سبعين اسماً للكلب في مرتبة الحيوان. أي انه تحدى الجميع بالمعرفة. وجعل التطور يبدأ من عد أسماء الكلب. كلما عرف احدهم أكثر ارتقى في اتجاه أن يكون إنساناً. كانت الشتيمة والرد عليها مجرد رمز لتأكيد أن إنسانية الإنسان لا تكون إلا بالمعرفة التي من أجلها اضطهد المعري وتعرض للإهانات حتى انكفأ في منزله ليعيش مع الكتب وليطلق أفكاراً هي بين الأكثر شجاعة وتقدماً في تاريخ الفلسفة الإسلامية.
    ليس غريباً أن يكون للمعري أعداء كثيرون في عصره، فالرجل خالف معتقدات وافتضح أوهاماً كثيرة كرسها كتَاب ورجال دين لا علاقة لهم بالمعرفة العقلية، بل كانت معتقداتهم جزءاً من أيديولوجيا هدفها السيطرة السياسية على البسطاء، وإرهاب المثقفين وارتهانهم لخدمة السلطان، وقد خضع كثيرون لهذه الأيديولوجيا، عدا فيلسوف المعرة الذي رهن كل حياته لمناقشة السائد ونقضه وإطلاق حرية الفكر ومساءلة كل ما يخالف العقل، ونزع القداسة عما هو غير مقدس فاستحق في نظر أعدائه اسم «كلب المعرة».
    بعد أكثر من تسعة قرون كثر الذين لا يعرفون أسماء الكلب السبعين. عادوا بكل»تراثهم» العقيم ليوقظوا المعري من قبره ويحاكموه. انتصر «الثوار». لوحوا بسيوفهم. أطلقوا النار على نصبه، متوهمين إصابة عقله المضيء. والواقع أنهم لم يقتلوا سوى أرواحهم الميتة، ولم ينالوا من فكر هذا الفيلسوف الذي يمثل أزهى عصور الدولة العباسية، بما حفلت به من معرفة وانفتاح على الثقافات.
    كان في تلك العصور ظلاميون لم ينج من تكفيرهم كبار المفكرين. واليوم تكاثر هؤلاء كالفطر، وانتشروا من المغرب إلى أندونيسيا. همهم الوحيد ملاحقة أي متنور، حتى لو كان في قبره. والطريف أن في صفهم «ديموقراطيين» يدافعون عنهم باسم الحرية ومحاربة الطغيان.
    لا هم ولا مؤيدوهم يعرفون اسماً واحداً للكلب.

  4. #4
    طلالي مميز
    الحاله : أبيات الغرام غير متصل
    تاريخ التسجيل: Oct 2010
    رقم العضوية: 244644
    المكان: البحرين
    الهواية: القراءة، الموسيقى، السباحة، الرماية، و ركوب الخيل!
    السيرة الذاتيه: و من يعرف السيرة ؟
    مشاركات: 7,877
    كان المعري من المشككين في معتقداته، وندد بالخرافات في الأديان. وبالتالي فقد وصف بأنه مفكر متشائم، وقد يكون أفضل وصف له هو كونه يؤمن بالربوبية. حيث كان يؤمن بأن الدين ”خرافة ابتدعها القدماء“ لا قيمة لها إلا لأولئك الذين يستغلون السذج من الجماهير. وخلال حياة المعري ظهر الكثير من الخلفاء في مصر وبغداد وحلب الذين كانوا يستغلون الدين كأداة لتبرير وتدعيم سلطتهم. وقد رفض المعري إدعاءات الإسلام وغيره من الأديان الأخرى مصرحاً:

    أفيقوا أفيقوا يا غواة فإنما
    دياناتكم مكرٌ من القدماء


    فلا تحسب مقال الرسل حقاً
    ولكن قول زور سطّروه
    وكان الناس في يمنٍ رغيدٍ
    فجاءوا بالمحال فكدروه

  5. #5
    طلالي مميز
    الحاله : أبيات الغرام غير متصل
    تاريخ التسجيل: Oct 2010
    رقم العضوية: 244644
    المكان: البحرين
    الهواية: القراءة، الموسيقى، السباحة، الرماية، و ركوب الخيل!
    السيرة الذاتيه: و من يعرف السيرة ؟
    مشاركات: 7,877
    انتقد المعري العديد من عقائد الإسلام، مثل الحج، الذي وصفه بأنه ”رحلة الوثني“. كما أعرب عن اعتقاده بأن طقوس تقبيل الحجر الأسود في مكة المكرمة من هراء الأديان الخرافية التي لم تنتج سوى التعصب الأعمى والتعصب الطائفي وإراقة الدماء لإجبار الناس على معتقداتهم بحد السيف.

    وهذه إحدى قصائده المعبرّة عن وجهة نظره:

    هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت
    ويهود حارت والمجوس مضلله
    اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا
    دين وآخر ديّن لا عقل له

    كما أن المعري رفض مزاعم "الوحي الإلهي".
    عقيدته كانت عقيدة الفيلسوف والزاهد، الذي يتخذ العقل دليلاً أخلاقياً له، والفضيلة هي مكافأته الوحيدة.

  6. #6
    طلالي مميز
    الحاله : أبيات الغرام غير متصل
    تاريخ التسجيل: Oct 2010
    رقم العضوية: 244644
    المكان: البحرين
    الهواية: القراءة، الموسيقى، السباحة، الرماية، و ركوب الخيل!
    السيرة الذاتيه: و من يعرف السيرة ؟
    مشاركات: 7,877
    ( ويكيبيديا )

  7. #7
    كذا أنا يا دنيا
    الحاله : فتى مكة غير متصل
    تاريخ التسجيل: May 2005
    رقم العضوية: 15528
    المكان: الأرض الطيّبة
    الهواية: القراءة والإنترنت
    مشاركات: 8,869
    هذا هو أبو العلاء المعري الذي قطع (الإرهابيّون التكفيريون) الرعاع رأس تمثاله في "معرة النعمان" المنكوبة بأحفاد المغول !

    وفي الحقيقة إن أبا العلاء المعري يطرح قضية العلاقة بين (الدين) و (العقل) ، وحدود إعمال العقل في المجال الديني .. هذا المجال الذي يشمل الغيبيات الكبرى ( وجود الله واليوم الآخر ) ، ويشمل الشعائر والعبادات ، كما يشمل الفكر الديني القائم على تأويل النص وتوظيفه والذي يتضمن بدوره كل نتاج التفاعل البشري مع النص كالفقه والتفسير والمذاهب الدينية والأيديولوجيات ..

    يرى الدكتور طه حسين أن "المعرّي قد حمّل العقل فوق طاقته" عندما يجعل منه المرجع والإمام المتبوع في كل الأمور .. وكلام طه حسين مصيب في هذا الأمر ،فليس كل مافي الدين قابل للتفسير العقلي .. فهناك غيبيات وماوراء المادة هي موضوع للإيمان والتصديق قبل التعقّل أو حتى بدون التعقل ، وهناك طقوس وشعائر قد تبدو غير عقلانية وغير مفهومة وليس مطلوبا لها الإقناع العقلي ..

    ثم هل كان (الإيمان) في أصل نشأته تعليلا عقليا للوجود قائم على البراهين المنطقية والحجج الفلسفية ؟؟ أم أنه تلبية لحاجات نفسية وموقف كوني يحاول فيه الإنسان أن يتغلّب على الحيرة الوجودية الملازمة له في الحياة ، والخوف والعجز والجهل أمام أسرار الحياة وأسئلة الوجود والمصير ؟؟ وهل هذا الدافع النفسي يتبدّل في كل الأديان أم أن الذي يتبدّل هو القبلة فقط والإله الذي ينبغي التوجّه له ؟؟!! وما قيمة هذا (الإيمان) إن كانت جميع قضاياه واضحة ومعقولة ، وليس كل مافي الوجود واضحا ومعقولا بل فيه جانب من الخفايا والأسرار ، والنفس توّاقة للإيمان بالخفايا والأسرار وما يتجاوز طاقة العقل وغير ذلك من جوانب لايخلو منها دين من الأديان ؟؟!!

    لقد اتهم كثير من القدماء أبا العلاء المعرّي بالإلحاد أو الكفر ، أو بادروا بالشك والريبة في معتقده على أقلّ تقدير ، ولا يعوزنا أن نقول إن الحكم على عقيدة أي إنسان شأن إلهي لا طائل من الخوض فيه ، ولكن الملفت للنظر أن ينساق الدكتور طه حسين مع هذا الإتجاه التكفيري في كتابه الأوّل المبكّر (تجديد ذكرى أبي العلاء) رغم أنه من كبار مريديه وعشاق أدبه وفكره والدارسين الباحثين في تراثه ( وله في ذلك ثلاثة كتب 1-تجديد ذكرى أبي العلاء وهي رسالة دكتوراه من الجامعة المصرية عام 1914م 2- صوت أبو العلاء 3- مع أبي العلاء في سجنه ) ورغم أنه تعرّض شخصيّا للإتهام بالكفر من خصومه الذين روّج بعضهم لحكايات سخيفة مثل تنصّره وتعمّده !

    وإن كان طه حسين يحاول أن يعتذر في مقدمة كتابه السالف أنه " لايملك أن يدخل في الإسلام أو يخرج منه أحدا ، وأنه ليس على أبي العلاء بأس عند الله إذا كان مسلما فعدّه بعض الناس غير مسلم " ، وهو على حال من أوائل ما كتب عميد الأدب العربي ، وفي بعض القضايا الفلسفية التي شرحها عن المعرّي ما يحتاج إلى مراجعة او تقييد أو مزيد من الشرح والتعمّق !!

    فعلى سبيل المثال هل كان المعري جاحدا بالأديان كما يوحي ظاهر شعره وكما يرى كثير من الباحثين ومنهم طه حسين أم أننا نستطيع استعمال آلية (التأويل) التي استعملها علماء الكلام للتوفيق بين النص والعقل والنص والتاريخ علاوة على سيرة الشاعر نفسه التي هي عنوان الإلتزام الأخلاقي والضمير الحيّ ؟؟!!

    إن هناك (الدين كما أنزله الله) و(الدين كما عاشه الإنسان) .. وانتقاد الممارسات الدينية البشرية لا ينال بالضرورة من الدين في وضعه الإلهي ، لأن ذلك بحث في الأنثروبولوجيا وليس في اللاهوت ، وكم من مصائب وكوارث وحروب وتعصب واستباحة للدماء والأعراض قامت باسم الدين وهو منها براء ، وهذا كما يقول المعرّي مثلا:

    إن الشرائع ألقت بيينا إحنا ... وأورثتنا أفانين العداوات
    وهل أبيحت نساء الروم عن عرض ... للعرب إلا بأحكام النبوات ؟!

    بل حتى طه حسين نفسه يقول في كتابه إن " كثرة الإختلاف الذي كان بين أهل الأديان ، ولم يزل بينهم إلى الآن ،وأدّى إلى كثير من الحروب والغارات ، قد بغّضت أبا العلاء في الديانات ، وإن كان من حقه ألا يبغضها . فليست هي التي أثارت الحروب ، وإنما أثارتها الأهواء والشهوات .. وأبو العلاء على ذمّه الأديان وسخطه عليها قد مدح الإسلام خاصّة وفضّله على الأديان عامّة ... " ( تجديد ذكرى أبي العلاء/ 272)

    كما أخطأ المعرّي في انتقاد حدّ السرقة ( يدٌ بخمس مئينً عسجدٍ وديت ... مابالها قطعت في ربع دينار !) وإن كان ذلك يفتح الباب للتساؤل هل تلك العقوبة مقصودة لذاتها ولايجوز أن يمسّها التغيير والإجتهاد أم أن الأصل هو مبدأ العقوبة التي تتغيّر مع الزمن ، وقد كانوا يقطعون اليد في الجاهلية ؟؟!

    وأخطأ المعرّي أيضا في موقفه من فريضة الحج ( وما حجّي إلى أحجار بيتٍ ... كؤوسُ الخمر تُشرِبُ في ذراها ) لأن ذلك جانب طقوسي شعائري رمزي أساسه الإتباع والإيمان والحب لمن أمر ..
    وإن كنا نستطيع أن ندرج هذا الموقف في سياق الحملة الكبيرة التي شنّها المعري على التديّن الشكلي الطقوسي القائم على الرياء والنفاق والإزدواجية في السلوك ...


    موضوع جيد وتعليقات ضافية لم تدع الكثير ليقال ..

  8. #8
    طلالي مميز
    الحاله : عبادي فنان العالم غير متصل
    تاريخ التسجيل: Apr 2009
    رقم العضوية: 191918
    مشاركات: 7,000
    عاش معقداً ومات معقداً .. وما اكثر المعقدين أمثاله

    من اشعاره :

    ربي متى أرحل عن هذه ال دنيا فاني قد اطلت المقام
    لم ادر ما نجمي ولكنه في النحس مذ كان جرى واستقام
    فلا صديقي يترجى يدي ولا عدوي يتخشى انتقام
    والعين سقم للفتى منصب والموت يأتي بشفاء السقام
    والترب مثواي ومثواهم وما رأينا أحدا منهم قام


    يُقال أنه لم يتزوج حتى لا يجني على احد ويأتي به إلى هذه الدنيا كما جنى عليه أبوه ..!


    اوصى بكتابة هذه العبارة على قبره :

    هذا جناه أبي عليّ .. و ما جنيتُ على أحد

  9. #9
    طلالي مميز
    الحاله : مالك الحزين غير متصل
    تاريخ التسجيل: Nov 2004
    رقم العضوية: 8416
    المكان: حيث أنا
    مشاركات: 5,453
    شكرا لك فلاش على الموضوع الجميل .
    والشكر موصول لمن أضاف ، خاصة أبيات الغرام الذي أتى لنا بأبيات واضحة صريحة على أن المعري لم يكن مؤمنا ، فهو يذم الأديان كلها بما فيها الإسلام ، وينتقد شعائر الإسلام ، ولو أنه انتقد تطبيقها في زمانه لتأولنا له ذلك ، ولكنه انتقد الشعيرة نفسها ، وليس في قولنا أن المعري لم يكن مؤمنا أي تجني ، عليه ، فكلامه شاهد عليه ، وحتى لو كان مؤمنا كإيمان أبي بكر وعمر ، فالحكم على كلامه وأفكاره لم يزل قائما حتى يثبت قول آخر له بأنه عاد عن تلك الأفكار .

    وأختلف مع الأخ فتى مكة ، فلا يجب الاعتذار عن الأقوال الكفرية ، فالخطأ قد لا يكون كفرا ، ولكن الكفر يبقى كفرا ولو ألبسناه لباس الخطأ ، فعندما ينتقد أحدهم مادة في دستور ما فهو بذلك يرفضها ، وكذلك المعرى انتقد حكم السرقة وشعائر الحج ، فلا ريب في رفضه لها .

    وكذلك أن يكون المرء ملتزما أخلاقيا ، كريما شهما حاضا على مكارم الأخلاق فهذا ينفعه في الدنيا ، ولا نفع له عليها في الآخرة إلا بالإيمان ، وهذا صريح في كتاب الله تعالى ، فمذا ستفيد أبا العلاء " سيرة الشاعر نفسه التي هي عنوان الإلتزام الأخلاقي والضمير الحيّ " التي ذكرها فتى مكة في رده إن كان يجحد أيات من القرآن وأركانا من الإسلام ، بل يصرح في بعض أبياته أن الإسلام مثله مثل الأديان التي سبقته جانبه الصواب ، أو كما ذكر أبيات الغرام أن المعري رفض مزاعم "الوحي الإلهي" فهل بعد هذا الكفر كفر .



  10. #10
    طلالي مميز
    الحاله : أبيات الغرام غير متصل
    تاريخ التسجيل: Oct 2010
    رقم العضوية: 244644
    المكان: البحرين
    الهواية: القراءة، الموسيقى، السباحة، الرماية، و ركوب الخيل!
    السيرة الذاتيه: و من يعرف السيرة ؟
    مشاركات: 7,877
    كلبٌ عوى بمعرة النعمانِ
    لما خلا من ربقة الإيمانِ

    ههههههه والله المتطرفين المتأسلمين تُحف من يومهم

    أمعرة النعمانِ ما أنجبتِ إذ
    أخرجت منك معرة العميانِ

    هههههه

  11. #11
    طلالي مميز
    الحاله : الكازمي غير متصل
    تاريخ التسجيل: Feb 2005
    رقم العضوية: 11485
    مشاركات: 2,516
    شاعر كبير وفيلسوف قدير


    لكني قرأت مرة انه تاب عن الكثير من معتقداته آخر عمره والله اعلم


    شكرا استاذ فلاش
    ذا بدر نور مكاني
    واعطاني في الحب سره
    وانا لسره امين :004:

  12. #12
    طلالي
    الحاله : سلطانة العشق غير متصل
    تاريخ التسجيل: Oct 2013
    رقم العضوية: 254523
    مشاركات: 91
    موضوع مميز وإضافات جميله من الاعضاء

    شكراً لك على الطرح الموفق
    إلى متى قلبي اسيرك ..إلى متى عيوني تهل

  13. #13
    طلالي مميز
    الحاله : بحررررررر غير متصل
    تاريخ التسجيل: Apr 2008
    رقم العضوية: 98375
    المكان: موطن الصقر
    الهواية: الفن
    السيرة الذاتيه: قايد وبطل ومعلم.
    مشاركات: 2,555
    http://www.youtube.com/watch?v=UA75lTU5Up0

    جبهة النصره تنتصر على رأس ابو العلاء المعري
    ههههههههههههه
    4

  14. #14
    طلالي مميز
    الحاله : أبيات الغرام غير متصل
    تاريخ التسجيل: Oct 2010
    رقم العضوية: 244644
    المكان: البحرين
    الهواية: القراءة، الموسيقى، السباحة، الرماية، و ركوب الخيل!
    السيرة الذاتيه: و من يعرف السيرة ؟
    مشاركات: 7,877
    وَلَمَّا رَأَيْت الْجَهْل فِي الْنَّاس فَاشِيـا
    تُجَاهـلـت حـتـى قـيـل أَنــي جـاهـل

    فَوَاعْجَبَا ! كَم يَدَّعِي الْفَضْل نَاقـص
    وُوَأَسُّفا ! كَم يَظْهـر الَنْقـص فَاضل

    و إِنــي وَإِن كـنـت الْأَخـيـر زِمـانـه
    لَآَت بـمـا لــم تَسْتـطـعـه الأوَائـــل

  15. #15
    عضو لم يفعل اشتراكه
    الحاله : فـلاش غير متصل
    تاريخ التسجيل: May 2008
    رقم العضوية: 102408
    مشاركات: 4,893

    أبو العلاء المعري :

    مبدع منقطع النظير ، يكتب لنفسه ، حتى عندما يزعم أنه يكتب للناس . ولذلك تجده يكتب ما لا يهمه فيه رأي الناس ، ولا كان ينظر إلى رغباتهم ؛ إلا بالقدر الذي لا يعطل إبداعه وحديثه لنفسه .
    الذي لا أشك فيه أن شيخ المعرة عاش حيرة قاتلة في فترة من عمره ، فنتاجه فيه الكفر الصريح ، وفيه الإيمان الأصرح . وهو في كفرياته يتقلب بين التمرد والحيرة ، وفي إيمانياته يتقلب بين اليقين والفناء !
    أرجو أن يكون ربه عز وجل قد ختم له بخير !
    لكن لا يعني ذلك أن نغضي عن مخالفات شعره الشرعية ، أو أن لا ندينها . لكن الحكم على كفر الكلام ، لا يجيز لنا الحكم على قائله بالكفر ، وبيننا وبينه ألف سنة !!
    والمعري قاموس لغوي محيط ، وقراءة رسائله الأدبية تضيف لقرائها مخزونا عظيما من المفردات اللغوية . وكان المعري يستعمل بعض ذلك المخزون الذي عنده بطريقة فريدة ، تتضمن التعليم (والتحفيظ) في سياق أدبي يعلو على أسلوب المقامات ، ولا يتخلى عن هدف بعضها في التعليم ونشر التمرس اللغوي .
    وهو ممن سبق زمنه : فرسالة الغفران له ، والتي أثرت على الآداب العالمية في أوربا وغيرها ، نموذج عجيب لمسرحية أدبية ، وللنقد الأدبي الراقي والعميق ، في سياق تمثيلي لا مثيل له .
    وقد أحسنت الدكتورة عائشة عبدالرحمن - بنت الشاطئ - ( رحمها الله ) في إبراز هذا الجانب المسرحي ، في رسالة الغفران .
    ويعيب شعره غالبا صنعته : فليس من الشعر المطبوع ، كشعر البدو ومن حذا حذوهم ، كالبحتري . ولكنه أقرب إلى مدرسة أبي تمام ، مع قدرة أكبر على توضيح فلسفته ، ومع نقص عنده عن أبي تمام في العناية بالتشبيهات .
    وإن كان للأذواق واختلافها حق في التقويم : فالمعري عندي لا تعلو أكثر قصائده حلاوة الشعر ، ولكن الذي يدعو لتذوق نتاجه سره وحيرته وحديثه النفساني ورؤيته التي حاول بها أن لا يتشبه بصحيحي البصر ، ولا طلب أن يتغنى الناس بتشبيهاته التي فاق بها المبصرين وهو الضرير . بل أراد أن يخبرنا عن بصيرة الأعمى ، وعن رؤية الكفيف ، ما أصاب فيها ، وما تعثر . أرادتا أن نعرف أن الأعمى يعيش في فضائه الداخلي ، وهو وإن كان فضاء لا يميز بين الألوان ، لكنه فضاء واسع جدا .
    ولذلك تقل الأبيات السيارة بين الناس في شعره ، مقارنة بغيره ، وخاصة معشوقه ( المتنبي ) ، مع أنه هو نفسه حكيم ، وفي قصائده أبيات حكمة مؤثرة . لكن ليس لها طلاوة الشعر ، بل عليها مسحة من كآبة الفلسفة . يستلذها المرء ، عندما يريد أن يستلذ الكآبة !!
    الخلاصة : المعري لا مثيل له في تركيبته ، وسيبقى قامة أدبية في تراثنا العربي ، ما بقي الأدب .
    وهذه آخر خواطري الموعودة عن شيخ المعرة.

    د. حاتم العوني

    والنفسُ راغبةٌ إذا رَغَّبتها = وإِذا تُردُّ إلى قليلٍ تَقنعُ.


قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •