ورحل شاعر « فيــروز » الذي انتصر على الحرب

[عبادي فنان العالم]

ورحل شاعر « فيـــروز » الذي انتصر على الحرب

-----------------------------------------------------------------

لم يكن جوزيف حرب شاعر القصر أو السلطة يوماً من الأيام.. ولهذا عاشت كلماته وستظل تنطق بلغة البسطاء من أبناء الوطن العربي. جوزيف حرب هو شاعر الشعب.. كانت ولا تزال تنبض قصائده بروح التمرد والبحث عن اليقين وسط عالم يموج بالأكاذيب والفوضى والتخابر..

جوزيف حرب يوم انتخب بالإجماع رئيساً لاتحاد الكتاب العرب. جاء في حيثيات فوزه أنه يبشر بالتنوير ويسعي إلى اعلاء ساحة الحق في وجه الظلام. وهو إحدى علامات الفكر الحي والكلمة الفاعلة، لكن نضال جوزيف حرب مع الكلمة لم يبدأ منذ توليه رئاسة الاتحاد، بل بدأت مبكراً في سنوات حباه حيث اشتهر بالساخر اللاذع.. انتقد التدخل الأجنبي في شئون بلاده وانتقد التدخل العربي غير المسئول في إدارة لبنان، وكانت قصائده الملحمية تشير إلى مزيد من الحراك للكلمة الحرة في وجه الفساد والقمع.. وقد أعاد جوزيف حرب الملاحم الشعرية إلى المكتبة العربية وكتب اثنتى عشرة ملحمة شعبية أهمها «مملكة الخبز والورد» و«السيدة البيضاء في شهوتها الكحلية»، و«شجرة الأكاسيا» و«المحبرة»، وخلال خمسة وخمسين عاماً من الشعر أخلص جوزيف خلالها للدواوين والندوات والمحاضرات في المحافل الأدبية والجامعات اللبنانية والعربية قدم خمس عشر ديواناً باللغة العربية الفصحى، أهمها «مقص الحبر» و«كلك عندي إلا أنت» و«سلام لبيروت» وغيرها

أما عن قصائده التي تحولت الى أغانٍ انشدتها فيروز على مدى سنوات عمرها، فكانت تتسم.. بالعمق العروبي القومي وإحياء روح المقاومة.. غنت له فيروز رائعته «لبيروت من قلبي سلام لبيروت وقبل للبحر والبيوت، لصخرة كأنها وجه بحار قديم»، و«ورقو الأصفر» و«أسواره العروس» و«زعلى طول» و«فيكن تنسو» و«خليك بالبيت» و«أسامينا» و«بليل وشتى» و«راح نبقى سوى» و«شعبية» و«حبيتك تنسيت النوم» و«البواب»

جوزيف حرب قاوم الإرهاب سنوات طويلة أثناء الحرب الأهلية ورفض الهروب وظل صامداً يواجه الرصاص ثلاث سنوات محتمياً بعروبته وبقناعته أن النصر قريب.

حبيتك تنسيت النوم يا خوفي تنساني
حابسني براة النوم و تاركني سهراني
أنا حبيتك حبيتك أنا حبيتك حبيتك
بشتاقلك لا بقدر شوفك و لا بقدر احكيك
بندهلك خلف الطرقات و خلف الشبابيك
بجرب إني إنسى بتسرق النسيان
و بفتكر لاقيتك رجعلي اللي كان
و تضيع مني كل ما لاقيتك
حبيتك حبيتك أنا حبيتك حبيتك
يا خوفي إبقى حبك بالإيام اللي جايي
و اتهرب من نسيانك ما اتطلع بمرايي
حبسي أنت أنت حبسي و حريتي أنت
و أنتا اللي بكرهو و اللي بحبو أنت
يا ريت ما سهرت و خفيتك
حبيتك حبيتك أنا حبيتك حبيتك

[عبادي فنان العالم]

[سارة000]

الله يرحمه

[عبادي فنان العالم]

« قال العصفور :

لم أعرف شيئاً أجملَ من

سجنٍ

مهجورْ »


بهذه الكلمات، دخلت إلى عوالم جوزيف حرب الشعرية

في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وفي مرتي الأولى التي أزوره فيها، كنت أبحث عن دواوين الراحل محمود درويش الجديدة، وفي ذاك العالم الذي كان غريباً عليّ، كبيراً على معرفتي بمعارض الكتاب وتوزيع دور النشر، تنقلت حتى وصلت إلى دار رياض الريّس، التي أصبحت فيما بعد الدار التي لا أستغني عن زيارتي لها في كل معارض الكتاب، بحثت فوجدت «أثر الفراشة»، وبجانبه ديوانٌ ذو غلافٍ استثنائي، بألوانه ونقوشه، وباسمٍ يشدّ قلبي إليه شدّاً، بحثت عن اسم الشاعر، لم يكن من ضمن الأسماء التي تتداولها المجلات والجرائد المحلية بكثرة، ولا أجد لها حضوراً كبيراً في المنتديات التي كنت أشارك فيها، لكن هذا لم يمنعني من اتباع الوهج الذي جذبني إلى الديوان، واقتنائه

لم أتصفحه، أخذته معي إلى المنزل، وبعد أول تصفح، أصبح قلبي منزله، بحروفه التي اختزلت الطبيعة كلها في جمالها، وإيقاعاتها التي لا بد أن ترقصك على أوتار الاستمتاع الفريد، بالدهشة البديعة، بالحياة، بالنهاية، بالذات، بالآخر، بالأرض، بالكون

ما إن تدخل صباحات جوزيف، وتتجول تحت أشجار حَوره، وصفصافه، وسَروه، وتشرب من أنهار الحب التي يسكبها في جسد مرايا الحياة، وتغتسل بمطره، ستجد أن روحك في جنة لا تود سوى الازدياد من نعيمها

وفي كل زيارة لمعرض كتاب بعد ذلك، كنت أحرص على البحث عن جديده، وأتذكر المرة التي وجدت فيها ديواناً جديداً آخر له، أخذته وضممته إلى صدري بشوق، لم يفعل بي شاعر بعد متنبي العصر محمود درويش هذا سوى جوزيف

صرختُ بلا، وكررتها وأنا أشاهد خبر رحيله، لم أصدق، بحثت أكثر حتى أتيقن، تذكرت كم كنت أتمنى لقاءه والاستماع إلى قصائده منه دون حجاب، لم يكن اعتراضاً ولا سخطاً على قضاء الله، وإنما حزناً

كانت صدمتي برحيله كبيرة، ولعل صدمة الكثير كذلك

ستبقى دواوينه مستلقية قرب سريري، أستأنس بها، وأوبّن ذكره بها كل زمن أعيشه، وفاءً لكلماته التي أثرت في تجرتي الشعرية، ولا زالت

وداعاً جوزيف حرب، يبكيك قلبُ الشعر، ويروي اسمك بدمعه، كما رويت قلبه بوفائك ... ( الرؤية ) .