" العلَم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ "
تأليف: العلامة صالح بن مهدي المقبلي (المتوفي سنة 1108 هجري )
بعض الكتب مثل أفلام السينما التي يلزم تكرار مشاهدتها والتمعّن في تفصيلاتها وخباياها والتساؤل عن مغزى كل لقطة أو زاوية أو لون أو إضاءة أو كلمة أو إيماءة ، لأنها لا تمنح كل أسرارها من القراءة الأولى ، وهذا الكتاب النادر من تلك النوعية حتى أني كدتُ أن أحفظ بعض الجمل والفقرات من كثرة التكرار ومعاودة القراءة ..
هذا الكتاب قيّم ومفيد جدا للباحث في السجال الفكري في الأصول بين (المعتزلة) و(الأشاعرة) ، وذلك لندرة كتابات المعتزلة وبالذات في الرد والنقض على الأشاعرة ، إذ لا نكاد نجد في المكتبة الإسلامية إلا ردود الأشعرية (المنتصرة) بعدما تحالفت مع السلطة السلجوقية (الإقطاعية العسكرية) ، وذلك بدءا بالمعتزلي "المنشقّ" أبي الحسن الأشعري ، ومرورا بأبي المعالي الجويني ، ثم أبو حامد الغزالي ، والفخر الرازي والآمدي والأيجي ... إلخ
والمؤسف حقا والخسارة التي لاتقدر بثمن هي إبادة معظم تراث المعتزلة الأوائل ( من أمثال واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وأبو الهذيل العلاف وإبراهيم النظام وأبو علي الجُبّائي وابنه أبي هاشم وأبو القاسم البلخي وجعفر بن مبشر وجعفر بن حرب وثمامة بن أشرس ومعمّر بن عبّاد ... ) وإن كانت تلك الجريمة منسوبة إلى خصوم المعتزلة العقائدييّن المسنودين من السلطة العبّاسية بعد الخليفة المتوكّل ، إلا أني أعتقد أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق غزو هولاكو الهمجي لبغداد بعد إتلاف الكتب ومنتوجات الحضارة الإسلامية والعقلية العربية على مدار ما يناهز خمسة قرون وإلقائها في مياه دجله حتى اسودّ ماء النهر من الحبر ، لأننا نجد أن ابن أبي الحديد ينقل في كتابه المشهور " شرح نهج البلاغة" من كتب المعتزلة الأوائل المفقودة حاليا ، علما بأن ابن أبي الحديد معتزلي المذهب لايقول بالإمامة مثل الشيعة الإمامية بل يقول بتفضيل ( عليّ ) فحسب على طريقة معتزلة بغداد الذين يتميّزون بذلك عن معتزلة البصرة ، وقد توفي ابن أبي الحديد في عام نكبة بغداد على يد المغول سنة 656 هجري
وهنا تكمن أهميّة كتاب "العلّم الشامخ " الذي يدافع عن أقوال المعتزلة دفاعا قويّا ويهاجم الأشعرية هجوما عنيفا ، ويمكنّنا من الإطلاع على أقوال المعتزلة وسجالاتهم بعيدا عن التحريف والتشويه أو الاستقاء من كتب الخصوم ..
والمؤلف وإن كان زيدي المذهب ( ومعلوم الصلة الوثيقة بين الزيدية والمعتزلة ) إلا أنه لم يلتزم بكل الأصول الخمسة التي يقوم عليها المذهب المعتزلي بل وانتقد بعضها ، وذلك لأنه مستقلّ الفكر وداعية للاجتهاد ونبذ التعصب المذهبي في عصر خيّم عليه الجمود والتقليد حتى تحوّل الاختلاف إلى خلاف وافتراق وعداوة بل تكفير وتبديع وتضليل متبادل .. وتلك مزية أخرى لهذا الكتاب الفريد الذي لم يلق ما يستحق من الدراسة والتحليل من الباحثين المعاصرين للأسف
الرابط
http://www.waqfeya.com/book.php?bid=32