الغراب
المعلم الأول و استاذ الجميع
لماذا اختار الله سبحانه وتعالى الغراب بالذات دون غيره من الطيور والحيوانات لتعليم قابيل كيف يواري سوءة أخيه؟ فلقد أثبت العلم أن الغراب أذكى الطيور على الإطلاق. لأن الدلالات العلمية المستوحاة من الآية الكريمة رقم (53) بسورة فصلت أن الغراب طائر شديد الذكاء، ومن أوضح الأدلة على ذلك أنه يدفن موتاه، ولا يتركها نهباً للجوارح من الطيور ولغيرها من الحيوانات المفترسة أو للتعفن والتحلل في الجو صوناً لكرامة الميت وترفقاً بالبيئة والأحياء فيها. وقد ثبت أن الغراب يقوم بحفر الأرض بواسطة مخالبه ومنقاره ليكون حفرة عميقة ثم يقوم بطي جناحي الغراب الميت وضمهما الى جنبيه، ورفعه برفق لوضعه في قبره ثم يهيل عليه التراب حتى يخفي جسد الميت تماماً كما يفعل المسلمون بموتاهم احتراماً لهذا الجسد حياً وميتاً.
وللغربان قدرة فريدة على صناعة الأدوات الحجرية لاستخدامها في الحفر والتنقيب على الحشرات في شقوق الأرض لافتراسها والتغذي عليها، ولاستخدامها في حفر قبور موتاها.
وقد ثبت علمياً بالدراسة والملاحظة أن الغراب هو أذكى الطيور وأمكرها على الأطلاق، ولا يدانيه في الذكاء والمكر الا بعض الببغاوات، والسبب ان الغراب يملك أكبر حجم لنصفي المخ بالنسبة الى حجم الجسم في كل الطيور، ومن الأدلة على ذكاء الغربان إنها شوهدت وهي ترمي على الطرق العامة مالم تستطع فتحه من الثمار والأصداف الصلدة مثل جوز الهند، وأصداف بلح البحر، كي تقوم السيارات المارة بدهسها لتصبح لقمة سائغة لها، كما أنها شوهدت وهي تقلد الصيادين في عمليات صيد السمك بمهارة فائقة، وفي ترطيب الطعام الجاف بالماء.
وللغربان محاكم تلتزم قوانين العدالة الفطرية، تحاكم الجماعة فيها أي فرد يخرج على نظامها، كالتعدي على حرمات غراب أخر سواءً كان الاعتداء على أنثى أو فرخ أو عش أو طعام، ففي حالة اغتصاب أحد الغربان لأنثى فإن جماعة الغربان تقضي بقتل المعتدي ضرباً بمناقيرها حتى الموت، وتنعقد المحكمة عادة في أحد الحقول الزراعية أو في ارض فضاء واسعة، فإذا صدر الحكم بالإعدام تجمعت جماعة من الغربان على المذنب ومزقته بمناقيرها حتى الموت، بعد ذلك يقوم أحد الغربان بحمله ويحفر له قبراً يتواءم مع حجمه ثم يدفنه فيه بعد ذلك يهيل عليه التراب احتراماً لحرمة الموت. الله أكبر الغربان تقيم العدل الإلاهي في الأرض أفضل من بني الأنسان.
وعلى الرغم من هذه المميزات العديدة في الغربان إلا أنك تجد بعض الناس يتشاءم من رؤيتها وذلك بسبب التقاطها البذور بعد بذرها في الأراضي الزراعية وقضاؤها على بعض المحاصيل الزراعية قبل حصادها أو افتراس بعض الحيوانات الأليفة مثل الدجاج وفراخه وبيضه.
ويقول العلماء إن الغراب سبق الانسان في وجوده على الأرض بأكثر من (55)مليون سنة على أقل تقدير، وبسبب ذكائه وملكاته الفطرية التي وهبه الله إياها، حق له أن يقف مع أبني أدم موقف المعلم كيف لا وهو الذي علم قابيل قاتل أخيه هابيل كيفية دفن أول قتيل من بني أدم، وأن الدفن في التراب بالإضافة إلى ما فيه من تكريم للميت يمنع انتشار الكثير من الأمراض والأوبئة، ويحافظ على نظافة البيئة وطهارتها.
والغراب كغيره من الطيور له قدرة فائقة على تحويل وسائل إدراكه من حاسة الى أخرى بمنتهى السهولة، وذلك بالإلهام والفطرة، وبالتوجيه وبالتعود، وبالارتباط بالجماعة، والتمييز بين الأشياء، والتعلم بحل المشكلات، وهذا يؤكد ان الطيور ومنها الغربان لها عقل، وذاكرة، وقدرات إدراكية واعية تحكم سلوكها الاجتماعي.
ويقرر القرآن الكريم ان جميع الدواب والطيور وغير ذلك من المخلوقات هي أمم كأمثال الأمم الإنسية لها منطق أي (لغات) تتفاهم بها فيما بينها، وتنسق روابطها الفردية والجماعية بواسطتها، وتتمتع بقدر من الشعور والإدراك الخاص الذي تتفاوت فيه الكائنات من كائن الى أخر، وتعاون الفطرة السليمة، والإلهام وتسخير تلك المخلوقات غير المكلفة في الثبات على منهج الله.
من هنا تتضح روعة الإشارة القرآنية إلى الغراب، معلم الإنسان الأول كيفية الدفن الصحيح للموتى، ويأتي العلم في قمة من عطاءه ليؤكد لنا ان الغراب قد وهبه الله تعالى من المواهب الحسية والمعنوية ما جعله أذكى الطيور على الإطلاق، وأقدرها على التحايل، وأنه يملك أكبر حجم لنصفي المخ بالنسبة إلى حجم الجسم في جميع الطيور المعروفة لدينا والتي يزيد عدد أنواعها على عشرة آلاف نوع، وأن له من حدة البصر ما يمكنه من التقاط التفصيلات من الارتفاعات الشاهقة على مساحات تقدر بمئات الكيلومترات المربعة وبتفاصيل تفوق قدرة الإنسان بثلاث إلى أربع مراحل.
( محمد بن عبدالله الشبيلي )