قال إننا نعيش الفوضى بكل معانيها والأمور تسير ( بالبركة ) وكيفما اُتفق

د. البشر: قنوات "إم بي سي" و"روتانا" شهوانية و"نبتات" شاذة يرفضها مجتمعنا




- لدينا فئة تعيش انفصاماً حاداً تصلي وتؤدي السنن والنوافل .. لكنها تسرق وتغش وترتشي.

- يمارسون ضدّ السعودية سياسة حرب الأفكار لتمزيقها من الداخل.

- تحدّثنا عن وسطية علمائنا فسفهوهم .. وحاورنا عن المرأة فظهر المتمرّدون.. وأشدنا بالهيئة فأٌبتليت بموظفين شوَّهوا الحسبة.

- غياب القدوات وفوضى الإعلام الحكومي والخاص سبَّبا لنا كثيراً من القلق.

- ولّى زمن رئيس التحرير "الإمبراطور" الورقي ذي الامتيازات التي تفوق بعض الوزراء.

- وصفنا بالمجتمع المحافظ لا يعني أنه مجتمع ملائكي ففي عصر النبوة والخلافة الراشدة ظهر العصاة والمنافقون بل المرتدّون.

- المتنفذون صنعوا لنا نفاقاً فكرياً لا يخدم الدولة ولا المجتمع.

- بعض المتخصّصين والمثقفين يظهرون في الإعلام مثل "مغنيات الأعراس".

- الإعلام الجديد الآن "يخوِّف" رؤساء تحرير "الورقية".. ولم يتبقَ من إيراداتها إلا إعلانات التعازي والتهاني.

- مركز الفكر العالمي عن السعودية لم يضعف .. لكننا لا نتسوّل ولا نُباع ولا نقبض من تحت الطاولة.

- لا نبالغ كثيراً في وصفنا بأننا مجتمع قابل بشدة للانشطار رغم الحراك الملحوظ والمتضاد في أحيان كثيرة.

- تأثير الإعلام أقوى من السياسة والاقتصاد السلاح .. ولا يوجد إعلام محايد.

- سيعود المُبتعثون ويطالبون بحقوقهم في الخدمات العامة والسكن والمعيشة والوظيفة .. فهل نحن جاهزون لذلك؟




حوار / شقران الرشيدي - الرياض:

يقول أستاذ الإعلام السياسي الدكتور محمد بن سعود البشر؛ رئيس مركز الفكر العالمي عن السعودية، والحائز جائزة "نايف بن عبد العزيز" العالمية للسنة النبوية والدراسات المعاصرة، إن وصفنا بالمجتمع المحافظ لا يعني أنه مجتمع ملائكي؛ ففي عصر النبوة والخلافة الراشدة ظهر العصاة، والمنافقون، بل المرتدّون!! ويؤكد في حواره مع "سبق"، أن بعض القنوات الفضائية السعودية كـ "إم بي سي" و"روتانا" وغيرهما نبتات شاذة في مجتمع محافظ تُسقى بمالٍ لا ينضب، وترعى بأذرع قوية متنفذة تحقيقاً لمصالح يعلمها الكثير، ويجهلها القليل. وأضاف، أن الإعلام أقوى في التأثير من السياسة والاقتصاد، وربما السلاح أيضاً.. مشيراً إلى "حرب الأفكار" التي تتعرَّض لها السعودية لتمزيقها من قبل رياحٍ من الخارج تساندها معاول هدم مستأجرة من الداخل أصابتها الهزيمة النفسية. وطالب بعدم المبالغة كثيراً في الوصف بأن المجتمع قابل بشدة للانشطار.. ويتناول الحوار عديداً من المحاور المهمة في الإعلام، والسياسة، والإعلام الجديد، والصحافة الورقية، وشؤون المجتمع وتحدياته المختلفة.. فإلى تفاصيله:



** يتساءل الكثيرون كيف خرجت مجموعة "إم بي سي"، وقنوات "روتانا"، وقبلها "أيه آر تي"، و"أوربت".. من مجتمعنا المحافظ، وقاومتها مجتمعات عربية منفتحة؟


ابتداءً، المجتمع المحافظ لا يعني أنه مجتمع ملائكي، في عصر النبوة والخلافة الراشدة ظهر العصاة، والمنافقون، بل المرتدّون!! هناك فئة في المجتمع السعودي تعيش انفصاماً حاداً بين الدين والمعاملات المالية، تجده يصلي ويؤدي السنن والنوافل، لكنه يسرق، ويغش، ويرتشي، وكأن الدين عنده عبادة في المسجد فقط، أو طقوس شعائرية ليس لها تأثير في الحياة. وإذا اجتمع ضعف التدين مع التجارة أفرز جشعاً تأثيره لا يقتصر على الفرد فقط؛ بل يتجاوزه إلى المجتمع. ويشتد الضرر إذا كان متعلقاً بالتأثير في العقل والسلوك، وهو ما نراه ماثلاً أمامنا في برامج هذه المجموعات الإعلامية وغيرها مما لم يُذكر. لقد نزعت هذه المجموعات الإعلامية إلى الربح حتى أعمى البصر والبصيرة، فأصبح كثير من برامجها، ومضامينها الإعلامية، والإعلانية تعزف على وتر الربحية أحياناً والشهوات أحياناً أخرى، ويظن أصحابها أنهم بذلك يحققون إشباعات الجمهور ورغباته. هذه نبتات شاذة في مجتمع محافظ، وليس غريباً أن ينبت الحنظل في الأرض الطيبة، خاصة إذا كان الحنظل يُسقى بمال لا ينضب، ويُرعى بأذرع قوية متنفذة، تريد لأغصانها أن تنمو وتتمدّد، تحقيقاً لمصالح يعلمها الكثير، ويجهلها القليل. ولو أجريت استفتاءً مجتمعياً تجاه هذه القنوات والوسائل الإعلامية لرأيت الصوت مرتفعاً بالرفض لها ولبرامجها، وهو ما يعكس توجه أغلبية المجتمع، لكن المجتمع مغيّب عن هذه القضية، كما هو مغيّب أيضاً عن قضاياه الأخرى.




** نملك 90 % من الإعلام العربي، ورغم ذلك صوتنا ضعيف، ورؤانا لا تصل للشعوب العربية، وإذا وصلت لا تؤثر .. أين الخلل؟

صحيح، نملك أقوى الإمبراطوريات الإعلامية في العالم العربي، لكنها عديمة التأثير الإيجابي للوطن والمواطن، بل إن كثيراً منها مؤثر في كل ما يشوّه الصورة ويسيء للسمعة. لو كانت هناك رؤية إعلامية وإستراتيجية مُحكمة لكانت هذه الإمبراطوريات الإعلامية من أقوى أذرعة الدولة والمجتمع في نشر الهوية، وتعزيز القيم، وتحقيق المصالح العليا للدولة، والتسويق لثقافة المجتمع السعودي. لكن الحَبْل تُرك للتجار على الغارب. استثمر التجار أموالهم في الوسائل الإعلامية فأصبح همهم جني الأرباح على حساب الرسالة الإعلامية. إننا نعيش الفوضى بكل معانيها، والأمور تسير (بالبركة) وكيفما اُتفق، وهكذا أصبحنا ضحية لتجار الإعلام الذين تنكروا للمجتمع، وقدّموا الريال والدولار ليكون في صدارة اهتماماتهم على حساب الرسالة الإعلامية والأمانة الوطنية. ويا ليت إمبراطورياتنا الإعلامية توقفت عند مهمة الاستثمار في الإعلام وما صاحبه من تشويهٍ متعمّدٍ لصورتنا أمام الآخرين، بل إن معظم ما تقدمه هو إفساد قيمي شامل، ليس في مجتمعنا فقط، بل حتى في المجتمعات العربية. لقد أصبحت مضامين ما تقدمه من برامج متنوعة مصدر انحطاطٍ للهوية والقيم والثقافة لم أره حتى في قنوات التلفزة الغربية!! ما زالت أتذكّر مقولة ذلك الشيخ التونسي الذي صرخ في وجه أحد كُتابنا الصحفيين "اخرس يا سعودي.. لقد خربتم أبناء الأمة وشباب وشابات هذه البلاد بمحطاتكم الفضائية، وخربتم وقوّضتم الأخلاق!!"، وما يُقال عن تونس يُقال عن غيرها من البلاد العربية. ومرة أخرى، لم يتوقف الأمر عند هذا، بل أصبح كثيرٌ من هذه القنوات يشوِّه - بشكل ممنهج - حقيقة المجتمع السعودي، وذلك بالتركيز على كل سيئ فيه، وإبرازه وتضخيمه، وتجاهل الكثير من الإيجابيات وحجبها عن النشر. والسبب أن هذه الإمبراطوريات الإعلامية يملكها سعوديون، ويديرها ويعمل فيها كثيرٌ من غيرهم، ممّن لا يحملون لها أي مواقف إيجابية، فكانت بالنسبة لهم مصدر ارتزاقٍ، أو تصفية حسابٍ، أو كليهما، وأما مَن يملك هذه القنوات فهو يتنقل بين البلدان للاستجمام، أو الفنادق الفارهة للاسترخاء، أو يحضر المناسبات لمزيد من الأضواء، ولا يعنيه إلا مؤشر الأرباح من البرامج والإعلانات!!




** الإعلام تحوّل من متابع للخبر إلى مؤثر.. هل أصبح الانحياز شعاراً معلناً للإعلام بعد أن تخفّى طويلاً وراء الحيادية؟

لم يكن للانحياز أو الحياد في الرسالة الإعلامية وجود في الأصل.. حتى الوسائل الإعلامية التي كانت تتعقّب الأخبار، وتنشرها كانت تنطلق من رؤية في التغطية الإعلامية، إما رؤية الدولة، أو رؤية المؤسسة الإعلامية، أو قناعات الإعلامي نفسه. فالرسالة الإعلامية لم تنطلق أبداً من حياد، بل من فكرة يُراد لها أن تصل إلى الجمهور. الذي تغيّر الآن هو المهنية في التعبير عن الفكرة وتسويقها حتى تُحدث أثرها في الجمهور المستهدف. ومع ظهور وسائل الإعلام الجديد، والتقنية الاتصالية في نشر المعلومة، أصبح التحيُّز واضحاً، وأحياناً سافراً، إذ بات الجمهور اليوم قادراً على تحديد الاتجاهات الأيديولوجية لكل وسيلة إعلامية. وفي تقديري، أن هذا التغيُّر هو أحد معطيات الوقت الحاضر الذي أصبح فيه الإعلام أقوى من التأثير من السياسة والاقتصاد، وربما السلاح أيضاً، ومن يتقد رسالته وفكره في الإعلام يتقدم في غيره من المجالات.




** الإعلام المعاصر في الحروب له قتلى ومصابون وأسرى .. هل "تعسكر" الإعلام بعد أن "تسيّس"؟

في الحروب الحديثة، كل كتيبة عسكرية ترافقها كتيبة إعلامية تمارس المهنة الإعلامية وفق ما تمليه المصالح العسكرية، ومَن تسلل من غير علم الكتيبة العسكرية إلى ساحة المعركة، فإنه عُرضة للقتل أو الخطف أو الإصابة أو الأسر والمساومة. وكل المنظمات المهنية التي ترفع شعارات حماية الإعلاميين، مثل: (مراسلون بلا حدود) أو غيرها لا تستطيع حماية مَن لا يريد العسكر حمايته. هذه هي الحقيقة، ولذلك نرى في إعلام الحروب قتلى ومصابين وأسرى. والجدل الذي يثيره الأكاديميون والمهنيون في أروقة الجامعات، ومراكز البحث العلمي، والمؤسسات الإعلامية حول جدلية العلاقة بين الإعلام من جهة والسلطة السياسية والعسكرية من جهة أخرى يتبخّر في ميدان المعركة، ويصبح الإعلام ذراعاً من أذرعة الحرب العسكرية. كنا نلاحظ هذه الحقيقة قبل ثورة الإعلام الجديد، ومع تنافس وسائل الإعلام والقنوات الفضائية على تغطية الحروب والأزمات العسكرية عبر أدوات الإعلام الجديد، بات المشهد واضحاً للعيان، وأصبح كل واحد يستطيع أن يرى ويلاحظ كيف يسقط الإعلاميون ضحايا في الحروب، وما يحدث في العمليات العسكرية التي تدور في غير واحدة من الدول العربية شاهد على ذلك.





** بذلت شخصياً جهوداً كبيرة لتحسين صورة السعودية في الخارج من خلال المؤتمرات، والحوارات، ومنتجات من خلال "مركز الفكر العالمي عن السعودية"، أين أثر هذه الجهود؟ ولماذا ضعفت؟


منذ عام 2002م ونحن في المركز - ومعنا عددٌ من مُحبي المملكة في الخارج - نعمل في خدمة الصورة السعودية، وذلك في اتجاهين: إما بتصحيح المعلومات الخاطئة عن القضايا التي تُثيرها وسائل الإعلام ومراكز الدراسات في الخارج عن المملكة، وإما بتقديم المعلومات الصحيحة والموضوعية لكل باحث عن الحقيقة، بلغات متعدّدة، ومن خلال برامج متنوّعة، يتعاون معنا في تحقيقها علماء، وساسة، ومفكرون وإعلاميون من شرق الأرض وغربها، مروراً بالوطن العربي. ولا نزال كذلك، وإن كانت برامج المركز بطيئة، لكنها نوعية وذات عمق علمي ومعرفي نحسب أنه هو الذي يبقى اليوم وغداً ومستقبلاً. نشاطنا في المركز لم يضعف، لكنه يسير حسب الإمكانات المادية، وبمجهود أفراد نذروا أنفسهم لخدمة دينهم ووطنهم. واسمح لي هنا أن أسجل اعترافاً مُراً، وهو أن هذه الجهود لو وجدت الدعم من الدولة ورجالاتها ورجال الأعمال لكانت ملء السمع والبصر، فالإرادة موجودة، والعقول متاحة، والكوادر المُحبة لدينها ووطنها منتشرة في جامعاتنا، لكن بضاعتنا هي الفكر، والفكر لا ينتشر إلا بدعم وتمويل، ونحن آلينا على أنفسنا ألا نتسوَّل؛ لأن الفكر لا يُباع، ولا نقبض من (تحت الطاولة)؛ لأن المبدأ والقيم لا يقبلان المساومة، ولو كنا كذلك لكان المركز في بناية شاهقة، وبأثاث فاخر، ومرتبات عالية، وقد تعرّضنا فيما مضى لشيءٍ من ذلك فرفضناه، فرسالة المركز أسمى من أن يساومنا أحدٌ عليها. كل ما نقوم به هو إعداد التصورات العلمية والتنفيذية لمشروعاتنا الوطنية في مجال اهتمامنا وحاجة بلادنا، فإن وجدت الدعم في وضح النهار، وبرؤيتنا التي نقدمها، وإلا فمصيرها الحفظ في الأدراج، وحسبنا أننا بذلنا وسعينا قدر الاستطاعة، وبُرِّئت الذمة، وارتاح الضمير. أما الحقيقة الصادمة، فإن كثيراً مما تحدثنا عنه في برامج المركز، وبُذلت الجهود الكبيرة في تقديمه على حقيقته للآخر - وبخاصة في الغرب - ظهر من بيننا مَن يحاول - ولا يزال - أن يفسده وينقضه، فصرنا (كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا). خذ مثلاً قضية اتهام مجتمعنا ومؤسساته بالإرهاب، فقد ظهر من بيننا مَن يتهم مناهجنا ومؤسساتنا الشرعية والتعليمية بأنها تخرّج متطرفين، فاستغل الآخر مقولته وروّج لها من باب (وشهد شاهدٌ من أهلها).. وتحدّثنا عن مكانة علمائنا وتأثيرهم في نشر الاعتدال والوسطية، فخرج من بيننا مَن ينتقصهم، ويسفههم، ويقلل من مكانتهم، بل يتهمهم بالظلامية والرجعية. وحاورنا عن حقوق المرأة في مجتمعنا، فظهر كُتابٌ وكاتباتٌ بمقالاتٍ وممارساتٍ تتمرّد على القيم والحقوق. وتحدّثنا عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الشرطة الدينية) فاُبتليت هذه المؤسسة الشرعية بموظفين من الداخل، وإعلام غير مسؤول فشوّهوا مبدأ الحسبة داخل مجتمعنا وخارجه. وخاطبنا الآخر عن سماحة الإسلام، وشخصية النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، ورسالة الرحمة والسلام التي أرسل بها عليه الصلاة والسلام للعالمين، فخرج منا مَن يستهزئ بالدين، وينتهك الثوابت، ويسخر برسولنا - صلى الله عليه وسلم -، فكان ذلك حديثاً للإعلام الخارجي الذي لا يزال يتحيّن الفرص للنيل من الإسلام والمقدس الديني. وغير ذلك من الأمثلة كثير، لكننا - بفضل الله - ماضون في طريقنا، مدركين قول الله تعالى: (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).





** حسناً .. هذا يدفعني لسؤالك عن قادة الرأي في المجتمع السعودي، هل هم صناعة حكومية أم صناعة شخصية؟

قادة الرأي من المصطلحات التي تُثير جدلاً واسعاً بين المتخصّصين في تحديد خصائصهم وسماتهم ومدى قدرتهم على التأثير، وذلك أن لكل مجتمع ثقافة تؤثر في صناعة قادة الرأي. وفي كل المجتمعات، فإن قادة الرأي يصنعهم المجتمع وليس الحكومة. ومتى توافقت قيم المجتمع مع سمات قادة الرأي حصل التأثير. هذه الحقيقة تتأكّد في مجتمعنا السعودي، على وجه الخصوص، فهناك مجموعة صفات إذا توافرت في الشخص أصبح من قادة الرأي منها: الصفة الدينية، إذ إن أكثر المؤثرين في مجتمعنا في اتجاهات الرأي العام هم من العلماء والدعاة أو غير المتخصّصين في العلم الشرعي لكنهم معروفون بسلامة الاتجاه الفكري المتوافق مع قيم المجتمع. ومن الصفات أيضاً (المصداقية)، وهي صفة تندرج تحتها مجموعة من الصفات، مثل الصدق في القول، والنزاهة، ونظافة اليد، والاستقلالية (من تبعة أهل النفوذ، سواء كانوا ساسة، أو وجهاء، أو رجال أعمال أو غيرهم). ومن الصفات كذلك الاتزان، فالمجتمع يرفض الإفراط أو التفريط. ولا شك أن هذه الصفات يسبقها جميعاً العلم والمعرفة التي تجعل الشخص متمكناً في علمه، ومرجعية في تخصّصه. ويستطيع كل أحد منا الآن أن يطبق هذه الصفات على الأشخاص الأكثر تأثيراً في المجتمع، ليخرج بنتيجة مفادها أن قادة الرأي يصنعهم المجتمع إذا توافرت فيهم الصفات السابقة.




** وماذا عن اﻷغلبية الصامتة التي يدعيها كل تيار فكري .. خاصة بعدما نطق "الصامتون" في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي .. كيف ترى النتيجة؟

ابتداءً، الأغلبية الصامتة لم تنطق بالشكل الذي يتوهمه كثيرٌ من المتفائلين. صحيح أن وسائل الاتصال الحديثة زادت من مساحة حرية الرأي والتعبير للمواطن ليتحدث عن قضاياه الملحة ذات العلاقة بالشأن العام، وبخاصة قضايا الحياة اليومية، لكن الأغلبية الصامتة لم تنطق بالشكل الذي يختفي معه هذه المصطلح ليكون ضرباً من الماضي. ولذلك نجد أن مفهوم الأغلبية الصامتة نشأ في مجتمعات ديمقراطية أعطت المواطن مساحة كبيرة من الحرية ليعبّر عن رأيه تجاه قضايا معينة، لكنه لا يزال موجوداً إلى الآن، فما ظنك بمجتمعات حديثة عهد بذلك؟! لا يزال (حارس البوابة) يمارس وظيفته بشكل ظاهر، وما دام حارس البوابة موجوداً، فإن التعبير عن الرأي - خاصة الرأي السياسي - سيكون مقيداً بالمعايير والضوابط التي يضعها هذا الحارس. وفي الجملة، فإن الحال الأول أفضل مما كان عليه في السابق. أما في مجتمعنا السعودي، فإن الأغلبية الصامتة تنطق عندما يكون الحديث حول الشأن العام وقضاياه الجوهرية، وهذا يعطي مؤشرات صريحة الدلالة بأن كل مَن يخرج عن النسق العام لثقافة المجتمع، ويخالف الهوية التي تأسَّس عليها هو (متمرّد) يعبّر عن نفسه وعن طائفته القليلة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي الأغلبية.. وشواهد ذلك تضيق عن الحصر.




** إعلامنا السعودي المهاجر يوافقنا سياسياً، ويختلف معنا فكرياً وثقافياً .. فهل صنعنا ﻷنفسنا "نفاقاً" فكرياً؟

هذا من التناقض الذي يحتاج إلى إعادة ضبط وتصحيح. مؤسساتنا الإعلامية في الخارج كان ينبغي أن تكون الذراع القوية للمجتمع السعودي في وقت سطوة الإعلام وقوة تأثيره، وصراع المعلومة. السعودية بالذات من بين الدول العربية والإسلامية التي قامت سياستها على منهج شرعي ورؤية فكرية واضحة، والذي يحصل الآن أن ما تقوم به المؤسسات الإعلامية في الخارج هو توسيع للفجوة بين السياسة والفكر. والمسؤولية هنا تقع على صُناع القرار السياسي بالدرجة الأولى، ثم رجال الأعمال والتجار ثانياً. الساسة عليهم الضغط على هذه الوسائل بأن تكون رسائلها الإعلامية متوافقة مع فكر المجتمع، وهم قادرون على ذلك. ورجال الأعمال والتجار عليهم اتخاذ موقف جاد تجاه الإعلان في هذه الوسائل الذي يُعد مصدراً رئيساً في تمويلها فإما أن تقوم هذه المؤسسات الإعلامية بمسؤوليتها تجاه مجتمعها وإما أن يوقفوا الإعلان في وسائلها.. أما السلبية التي نراها الآن من الطرفين، وتخلي كل منهما عن واجبه ومسؤوليته تجاه هذه المؤسسات فإنه لا يخدم الدولة ولا المجتمع، خصوصاً إذا رأينا الانفصام الحاد بين ما يُقدم في كثير من برامج هذه المؤسسات وحقيقة توجهات المجتمع، الذي أحدث ضرراً بالغاً داخل المجتمع السعودي نفسه وصورته النمطية لدى المجتمعات العربية والإسلامية. ولذلك أقول إن المجتمع لم يصنع نفاقاً فكرياً لنفسه، بل الذي أسهم في صُنع هذا الانطباع هو "المتنفذون" في هذه الوسائل ومَن يدعمهم ويساندهم ظاهراً وباطناً، ومَن يقترب من حقيقة المجتمع يدرك أن هذه الوسائل لا تمثله مطلقاً، ونرجو أن يكون هذا الانطباع لدى إخواننا العرب والمسلمين كذلك.






** وما الذي ينبغي فعله من وجهة نظرك لتغيير هذا الانطباع وبناء صورة ذهنية حقيقية لمجتمعنا؟

متغيرات العصر فرضت علينا معركة جديدة، أقوى سلاح فيها وأمضاه هو سلاح الإعلام والمعلومة. والأمة التي لا تقدم نفسها في هذا الميدان ستبقى أمة متخلفة ومنسية، ولو كانت تملك أسباب القوة السياسية والاقتصادية. (حرب الأفكار) التي نخوض غمارها الآن تتطلب منهجاً فكرياً متماسكاً، يأخذ بأسباب القوة المعنوية (الأفكار) لتكون السياسة والاقتصاد ميدانهما المؤثر في الغير. ولكي نمضي في هذا المسار برؤية واضحة وبذلك المنهج الصافي علينا أولاً أن ننقي هذا المنهج مما عَلِق به من شوائب الاضطراب والتناقض الذي أحدثته فوضى السنوات الماضية، وأن تُسكت الألسن التي ارتفع صوتها بآراء فئة حادت عن المنهج الذي أُسِّست عليه الدولة، وهي فئة شاذة لا تمثل المجتمع، وإن كانت متنفذة وذات تأثير مرحلي، إذ أحدثت ضجيجاً عقيماً كان يفسد ولا يُصلح. ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الانتشار الفكري الذي كانت عليه الدولة قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها من غبش في الرؤية، صنعه أولئك الذين كانوا يريدون تكثير سواد العمى في المجتمع. وهو انتشار يقتضي العمل المكثّف، المتمدّد في مؤسسات المجتمع كافة في الداخل والخارج. وزارة الثقافة والإعلام عليها حملٌ ثقيلٌ في أن تفرض رؤية المجتمع على وسائل الإعلام المحلية، وصانع القرار السياسي عليه مسؤولية كبح جماح وسائل الإعلام السعودية التي تعمل خارج حدود الوطن حتى لا تنقض الغزل بعد قوته، ووزارة الخارجية عليها أن تبعث الحياة في سفاراتنا في الخارج وأن تنفض عنها غبار الكسل والخمول الذي ران على موظفيها والعاملين فيها لينهضوا بواجبهم الفكري والثقافي، كما يفعل غيرهم ممَّن أدرك المعنى الحقيقي لوظيفة السفارات، وألا يقتصر عملهم على الواجب الوظيفي فقط، وهكذا غيرهم من مؤسسات الدولة والمجتمع. إننا بحاجة إلى استراتيجية جديدة وشاملة، تسعى إلى استعادة ما خسرناه، والمُضي في تحصيل مكتسبات جديدة تفرضها متغيرات الزمن، حتى تظل المملكة نموذجاً للعالم الإسلامي في توافق هويتها وقيمها مع سياستها وإعلامها، كما هي قبلة للمسلمين في عبادتهم.





** نلت جائزة "نايف بن عبد العزيز" العالمية للسنة النبوية والدراسات المعاصرة عن حرية الرأي في الإسلام والنظم المعاصرة .. ما الجديد الذي لم يتحدث عنه مفكرو عصر النهضة؟

كثير من مُفكري عصر النهضة العربية تناولوا قضية حرية الرأي من منظور سياسي فلسفي مقلد للغرب في أدبياته وأطروحاته، أو بمنظور قومي بعيد عن التأصيل الإسلامي لمسألة حرية الرأي والتعبير. والدراسة التي نلت بها جائزة نايف بن عبد العزيز العالمية في محور الدراسات الإسلامية كانت دراسة تأصيلية مقارنة لقضية حرية الرأي في الإسلام والنظم المعاصرة. ولذلك انطلقت في بنائها العلمي والمنهجي على الاستفاضة في مناقشة مفهوم حرية الرأي في الرؤيتين الغربية والإسلامية، ثم عقدت مقارنة بينهما في النظرية والتطبيق وأوردت شواهد على ذلك. والذي أود التوكيد عليه هنا أن حرية الرأي في كل بلاد الدنيا ليست حرية مطلقة، بل مقيدة بنصوص من النظم والقوانين، أو بقيود غير مرئية يعرفها الممارسون للمهنة الإعلامية.





** ترجمت كتابي "جيمس باترسون"، و"بيتر كيم" (يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة)، ومثله كتاب "جور فايدال" (حرب أبدية لسلام أبدي) .. هل ترى أن هذه الكتب مؤثرة في السياسة الأمريكية أم أنها تحليل سياسي يعبّر عن رأي كاتبه وربما ناشره وقليل من مفكريه؟

- اعتادت دور النشر الأمريكية الكبرى أن تضع الكتب الأكثر مبيعاً في واجهة المكتبات، فكان كتاب جيمس باترسون وبيتر كيم من أشهر الكتب التي لاقت رواجاً كبيراً وقت نشره في بداية التسعينيات الميلادية، إذ كان استفتاءً عاماً لشريحة كبيرة من الشعب الأمريكي أظهر نتائج صادمة بالأرقام والإحصاءات عن حياة المواطن الأمريكي في مجالات عديدة، منها: العبادة، والتدين، والأخلاق، والقدوة، والجنس، والعنف، والسياسة، والعنصرية، والانتحار، والطفولة، وغيرها كثير. قالت عنه مجلة (بزنس ويك) الأمريكية: إن الكتاب بمنزلة (رحلة مزعجة في عقول الأمريكيين)، وقال عنه إليكس هيلي مؤلف كتاب "الجذور": (كتاب مفزع، عندما أنهيت قراءته لم أعرف ماذا أفعل، هل أصدع بالحقائق أم أركض للتلال وأختبئ، إنه يعرض لنا حقائق عن أنفسنا لم أشاهدها في أي دراسة ولا حتى في أحاديثنا الشخصية). أعجبني الكتاب بمعلوماته وحقائقه وأرقامه فاشتريت حقوق الترجمة إلى العربية، ونشرته ليكون رسالةً جوابيةً لكل مَن أبهره النموذج الأمريكي في المجال الاجتماعي. وأما كتاب جور فايدال (حرب أبدية لسلام أبدي) فقد شدني كثيراً، ودفعني إلى ترجمته ما وجدت فيه من إحصاءات وثائقية دقيقة تثبت تورُّط الولايات المتحدة في قائمة طويلة من الحروب العسكرية التي كانت أمريكا بادئة فيها أو اشتركت فيها بدعوى الحرب على المخدرات أو الحرب على الإرهاب، وهي قائمة أعدّها اتحاد العلماء الأمريكيون واستند إليها المؤلف في حديثه وتحليله. وما يزيد الكتاب أهمية أنه صدر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة، وكأنه يقول إن الأمريكيين لا يريدون المزيد من الحروب، ولذلك وجّه المؤلف رسالة إلى الرئيس الأمريكي آنذاك (جورج بوش) ينبّهه فيها إلى أنه يُدار من حفنة محافظين متشدّدين وعسكريين جشعين، ويطالب الإدارة الأمريكية بالتخلي عن دور (شرطي العالم)، وأن ينتقل بالعالم من حالة الحرب الأبدية إلى السلام الأبدي. أنا لا أستطيع أن أتحدث عن كل التفاصيل المثيرة في الكتاب، لكنه كان كتاباً مدهشاً في هدفه ومضمونه.





** ظلت السعودية قرونا تمثل الإسلام السني برؤية سلفية، وتطرح هذه الرؤية وسط استياء من بعض الدول، ومنذ عقد من الزمن تحولنا عن هذه المنهجية .. هل هي دلالة تصحيح أم اضطراب معين في الرؤية؟

بعد أحداث 11 سبتمبر واجهت السعودية حملة سياسية وإعلامية وفكرية شرسة من الغرب، طالت مسؤوليها، ومؤسساتها الشرعية والتعليمية، والدعوية، والخيرية، وغيرها، باعتبار أن منطلقاتها السلفية هي التي أدت إلى ظاهرة الغلو في الدين، الذي أدى بدوره إلى الإرهاب، هكذا يزعمون. والحقيقة أن الولايات المتحدة استغلت هذه الأحداث المصطنعة إلى إعادة تشكيل المنطقة. فاتخذت في ذلك استراتيجيتين: الأولى عسكرية أطاحت بأفغانستان والعراق، ولولا الكلفة الباهظة مادياً وبشرياً لهذه الاستراتيجية لتوسعت في دول أخرى ولكن الله سلم. والاستراتيجية الثانية هي (حرب الأفكار) لتمزيق المجتمعات من الداخل. وقد نال المملكة من هذا الشيء الكثير. وأضحت المملكة قبلة لرياح التغيير القوي والمتتابع، رياح من الخارج تساندها معاول هدم مستأجرة من الداخل، ممثلة في بعض المفكرين والإعلاميين والمسؤولين الذي أصابتهم الهزيمة النفسية، وعصفت بهم الريح حتى تنكروا لدينهم وقيمهم وهوية وطنهم، حتى ظن الكثير أن الدولة والمجتمع تنازلا عن سلفيته التي هي مصدر قوته في الداخل والخارج. ما جرى، ولا نزال نرى بعضاً من آثاره، هو بقايا زلزال سقط فيه أقوام لم يكونوا مؤهلين للتحدّي والمواجهة أما الدولة والمجتمع فهما - بفضل الله - ثابتان على المنهج، والقضية لا تعدو أن تكون أوراق خريف آن لبقاياها أن تُكنَس!!





** كل قضية في مجتمعنا هناك قسمان متنافران متعارضان .. ما الذي جعل مجتمعنا قابلاً للانشطار بشدة؟

قد نبالغ كثيراً في الوصف بأن المجتمع قابلٌ بشدة للانشطار، صحيح هناك حراك ملحوظ، ومتضاد في أحيان كثيرة، لكنه لا يصل إلى مرحلة الخوف أو الفزع، لأنه يبقى في دائرة المقدور عليه. في القضايا الكبرى أثبت المجتمع أنه لحمة واحدة، ومتماسك بقوة، وهناك حالات استثناء ينبغي ألا تُعمم . أظن أن (غياب القدوات) في عدد من المجالات الحياتية هو سببٌ من أسباب الاضطراب المجتمعي، أضف إلى ذلك فوضى الإعلام الحكومي والخاص وغياب الرؤية التي تجمع ولا تفرق، والتي تسبّبت في الكثير من القلق المجتمعي. وهنا يجب على أهل الحل والعقد؛ كل في مجاله، وقادة الرأي، أن يبدؤوا في ضبط المسار وتصحيح ذلك الحراك، وهذا - بلا شك - يتطلب رؤية استراتيجية عميقة تنطلق من الأسس التي قام عليها المجتمع، والأخلاقيات التي تربى أفراده عليها.





** أنت أستاذ الإعلام السياسي لكننا لا نراك تظهر في إعلامنا السعودي، في حين أن غيرك لم يكمل الجامعة ويحلل كل شيء في السياسة، والاقتصاد، وعلم الاجتماع.. والجمهور يصفكم بالضعف والكسل وأنتم كيف تصفون الوضع؟

أعترف بأني مُقل في الظهور الإعلامي، وخصوصاً في البرامج السياسية، لكن هذا الاعتراف لا يمنع من الحديث عن نقاط أحسبها مهمة في هذا السياق. أولاها أن الظهور الدائم في الإعلام يكون بقدر معين. فالذي يحترم نفسه لا يظهر إلا إذا دعت الحاجة الماسة إلى ذلك وعنده ما يستحق أن يُقال في الوسيلة الإعلامية. كثير من المتخصّصين والمثقفين أدمنوا الظهور في وسائل الإعلام المحلية والعربية (لأسباب كثيرة) ، فكانوا مثل (مغنيات الأعراس) تجدهم (في كل وادٍ يهيمون)!! والنقطة الثانية، إن بعض الوسائل الإعلامية لا تستضيف إلا مَن يتفق أيديولوجياً مع رؤيتها، وأنا لا أفضل الحديث بمقاييس الآخرين. والثالثة، إن الموضوعات السياسية ذات معايير متقلبة، فالرأي المقبول اليوم قد يكون مرفوضاً غداً، قد أقبل اضطراراً ولمصلحة أقدرها أن أتحدث من باب (التسديد والمقاربة)، لكني لا أجيد (التطبيل الفج) أو (المماحكة)!! ولذلك فالاعتذار عن الاستضافة قد يكون سبباً لقلة الظهور الإعلامي الملحوظ. والنقطة الأخيرة والأهم، إنني رأيت أن الانشغال بالأعمال الفكرية التي تخدم الدين والوطن من خلال المشروعات العلمية والفكرية هو الذي يبقى مع الزمن، وهذا يستغرق وقتاً طويلاً، وعملاً متتابعاً، وتفكيراً مركزاً، وهو ما يجعل الوقت شحيحاً للظهور الإعلامي المتكرر.




** بعض صحفنا المحلية "الورقية" اتخذت موقف المحارب، والخصم، والعدو للإعلام الجديد لما كل هذه الخصومة؟

لا أظن أن المسألة بهذه الحدِّية.. صحيح أن الإعلام الجديد قد طغى على الإعلام التقليدي، وجذب شريحة كبيرة من الجمهور إليه، لكني أرى أن هناك نوعاً من التكامل بين الصحف المحلية ووسائل الإعلام الجديد، إذ وظفت هذه الصحف التقنية الاتصالية الجدية في الوصول إلى جمهور لا تصل إليه النسخ الورقية. والحقيقة التي يجب أن نعترف بها أن هاجس الخوف من الإعلام الجديد يسيطر الآن على كثير من رؤساء تحرير الصحف الورقية، بسبب تراجع الإعلان، واشتراكات الأفراد، واقتصرت إيرادات هذه الصحف على مصادر قليلة منها الاشتراكات الحكومية، وإعلانات التعازي والتهاني!! وباعث الخوف هو أن بعض رؤساء التحرير كان يظن أنه يملك إمبراطورية صحفية، يحكمها وتمنحه امتيازات مادية واجتماعية تفوق امتيازات بعض الوزراء. ذلك زمن قد ولّى، والمفترض أن تتكيّف الصحف المحلية مع متغيرات العصر، وتتكامل مع معطياته التقنية، وتكثف من انتاجها الرقمي، وتوظفه في خدمة المواطن والحديث عن همومه، حتى تبقى هويتها الإعلامية، وعلامتها المهنية متجدّدة.




** شبابنا يشاهد عالماً مختلفاً جداً من خلال الابتعاث الخارجي، ووسائل التواصل الاجتماعي، والسياحة.. فهل المعركة قادمة بين جيلين؟

الابتعاث تجربة حياة قبل أن يكون شهادة علمية فالمبتعث يعيش في مجتمعات تقوم فلسفتها على خدمة الشعب قبل خدمة المسؤول، وتهيئ كل إمكاناتها لخدمة المواطن وتوفير سبل العيش الكريمة له. وأظن أن مصطلح (الحقوق) في هذا السياق مهم في الحديث عن مرحلة ما بعد عودة المبتعثين. فربما نواجه عقولاً تطالب - وهذا من حقها - بالذي لها قبل أن يُطلب منها أن تُقدم ما عليها. سيعود المبتعثون ويطالبون بحقوقهم في الخدمات العامة، في السكن، والمعيشة والوظيفة، وغير ذلك من قائمة الحقوق التي تعلّموها في بلد الابتعاث. فهل المجتمع بمسؤوليه ومؤسساته المختلفة جاهزون لذلك؟!