صناعة الإنسان " النموذجي " / التعليب الاجتماعي / نسخة " طبق الأصل "

تشبه مجتمعاتنا آلة نسخ عملاقة تنتج عبر السنين نُسخاً بشرية " طبق الأصل "يكون الطفل المولود فيها صفحة بيضاء قبل أن "يطبعوا" عليها نسختهم الاجتماعية التي تناسبهم، فنرى معظم أفراد مجتمع ما، يشبهون بعضهم بعضا بطريقة تصرفهم، إدراكهم، إيمانهم، ومسلكهم في الحياة ..
فيعمل أصحاب السلطة في المجتمع على نسخ معتقداتهم، قيمهم، أعرافهم، قوانينهم،ومثلهم في الفرد من ولادته إلى نضجه ليصبح "نسخة طبق الأصل" عن الطبعة الاجتماعية الأصلية ..

أمّا الذين لا يصح عليهم لقب "نسخة طبق الأصل" فإنهم يُرفضون اجتماعياً كما تُرفض الورقة المنسوخة التي لا تشبه تماماً النسخ الباقية. ويُبعدون ببساطة، لأن هؤلاء الناس لديهم فكر نقديّ مشاكس وليسوا تابعين، أومُتلقّين، أومصفقين دائمين لأسيادهم. ويُعزلون لأنهم يبحثون ويحللون كل ما يمر بهم من افكار موروثة ..
ولأنهم ينقضون مفاهيم قديمة كانت سائدة في عصورهم ويثبتون بطلانها بشكل علمي .. ولأنهم يرفضون الأفكار غير العقلانية، ويتبنون العقلاني منها، بحسب مفاهيمهم الموضوعية الذاتية للأمور ..

جميعنا يعرف ماذا فعلته المجتمعات، على مر العصور، بالخارجين عن منظوماتها "المقدسة" ..
لقد عاملت المفكرين، والمبدعين، والعظماء، والمتنوّرين، كما عاملت القتلة واللصوص والشاذين على أساس أنهم "مجرمون" ..

إن نزعة التطور والتغيير كانت وما زالت الخطر الوحيد الذي يهدد منظومات الأنماط الموروثة والمنسوخة "كما هي" : من الجدّ إلى الأب .. إلى الابن إلى ابن الابن ..فمقاومة التغيير في المجتمع تهدف بالدرجة الأولى إلى المحافظة على "النقاء النموذجي" لآلية النسخ الاجتماعي ..

.

تحميل الكتاب

http://books.ibtesama.com/dldrzc65280.pdf.html