إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة فتى مكة مشاهدة المشاركة
عودة إلى الموضوع

في الحقيقة لا أعلم بالضبط من الذي "ينتقص" من مقام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ؟!
ولكن الشيء الواضح أن الناقدين لم يقبضوا على المغزى الحقيقي للموضوع الذي يلمح بإيجاز إلى سر العظمة الإنسانية في شخصية (محمد) ، واكتفوا بالتعريج على حواشي الموضوع وهوامشه وأسلوب المخاطبة والتأدب في التعبير حتى توارت شخصية (محمد) الإنسان (العبقري والعظيم) خلف شخصية (النبيّ والرسول ) الموصول بالسماء والمسدد بالوحي في كل حركة وسكنة وسانحة ..

في البداية لا نختلف كثيرا مع تلك الانتقادات ، ولكن لو كان المعنى الحقيقي للصلاة على النبي هو مجرّد الأقوال وترديد كلمات مثل ( عليه الصلاة والسلام) و(صلى الله عليه وسلم) وغيرها من الصيغ التي أحصى منها الشيخ يوسف النبهاني ( توفي 1350 هجري) ما يزيد على 70 صيغة في كتابه "أفضل الصلوات على سيد السادات" فقد اختلف الفقهاء والمفسرين وعلماء الدين بين قائل بأن الصلاة على النبي واجبة في التشهد ، وقائل بأنها سنة مؤكدة ، وقائل عند كل مرة يذكر فيها اسم النبيّ ، وقائل إنها تجزئ مرة واحدة في العمر ..

أما في الكتابة فقد اختلفت الآراء بين متشدد ومتسامح ، فقد كان ابن الصلاح المحدث يوجب كتابة الصلاة على النبي كل مرة يرد فيها اسمه في التأليف وبعضهم لايرى ذلك ..

جاء في تفسير ابن كثير لقوله تعالى " إن الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما " ( سورة الأحزاب/56) :" وقد استحب أهل الكتاب أن يكرر الكاتب الصلاة على النبي كلما كتبه ... وقد ذكر الخطيب البغدادي في كتابه "الجامع لآداب الراوي والسامع" قال: رأيتُ بخط الإمام أحمد ابن حنبل كثيرا مايكتب اسم النبي من غير ذكر الصلاة عليه في كتابه ، قال: وبلغني أنه كان يصلّي عليه لفظا " ( تفسير القرآن العظيم لابن كثير )

ومن المعاصرين من لاقى العنت من المتشددين أو المزايدين لعدم التزامه بكتابة الصلاة على النبي دائما ، وهو الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه " حياة محمد" حيث استهل الطبعة الثانية من كتابه بالآية الكريمة "إن الله وملائكته يصلون على النبي " ثم يقول في مقدمته تعقيبا على هذا النقد :" لكنهم أصروا على ملاحظتهم ،فدلوا بذلك على تعنتهم وعلى جهلهم مع ذلك بحقائق الإسلام اكتفاء منهم باتباع ماوجدوا عليه آباءهم "

ثم ينقل الأستاذ هيكل كلمة ابن نجيم في البحر الرائق:" وأما موجب الأمر في قوله تعالى (صلوا عليه) فهو افتراضها في العمر مرة واحدة في الصلاة أو خارجها ، لأن الأمر لا يقتضي التكرار ، وهذا بلا خلاف ، والخلاف بين الشافعي وغيره على وجوب الصلاة على النبيّ أثناء الصلاة (أي الصلاة المكتوبة الفريضة) لا خارجها . والصلاة هي الدعاء ، ومعناها في الآية أن يترحم الله على النبي ويسلّم " ويعقب الأستاذ هيكل قائلا:" هذا ما أورده علماء المسلمين وأئمتهم في الموضوع . وهو يدلّ على إسراف الذين يزعمون وجوب الصلاة على النبي كلما ذكر اسمه وكلما كُتب .. وإن كبار المحدثين لم يكونوا يكتبون الصلاة في أوائل الكتب " ( حياة محمد لمحمد حسنين هيكل / صفحة 63)

والعرف في الكتابة والمخاطبة له دور ينبغي مراعاته ، فقد جرت العادة على مخاطبة الكبراء والرؤساء والشخصيات الهامة وحتى غير الهامة بألقاب التكريم والتعظيم ، حتى لو خاطبت أحدا من عامة الناس وليس مسؤلا ذا بال باسمه المجرد سيعدّ ذلك إهانة وانتقاصا لقدره ( إزاي تناديني باسمي حاف كدا ؟! ) فما بالك بالنبي والرسول ؟

ولكن في كل الأحوال لا نملك غير النصيحة أو إبداء وجهة النظر ، أما الملاحقة المستمرة والتأنيب فهذه وصاية غير مقبولة وأسلوب (إرهابي) ومجافي للحكمة والموعظة الحسنة وتؤدي لنتائج عكسية ، وإنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ، وما يدريك أن من تروم (هدايته) لايصلي على النبي في نفسه وليس كتابة أو دعاية أو تظاهرا !

والنقطة الثانية الهامة أن يقال على إنسان إنه (ملحد) لأنه يعدّ (محمدا) شخصا عظيما وليس رسولا ونبيّا !
هل أنتم تقصدون أن النبي محمد عليه السلام مجرّد (رسول ونبي) يوحى إليه ، وليس لشخصيته أي جوانب عظيمة خارج نطاق الوحي ؟!
هل أنتم تعظمون نبيكم بهذا التصور العجيب أم تنتقصون منه في الحقيقة ؟!

لو افترضنا أن غير المؤمن بالإسلام أو الملحد أو التأليهي ( الذي يؤمن بالله وينكر النبوّات) أو المادّي أو المسيحي أو اليهودي درس شخصية النبي محمد دراسة تاريخية واجتماعية مثل غيرها من سير الأبطال والشخصيات التي غيرت مجرى التاريخ ، هل سنفرض عليه الإيمان بالإسلام ورسالة محمد وتنزيل القرآن من السماء حتى يقدر تلك الشخصية العظيمة التقدير المستحق ؟

إنه لو أخذ بمقولتكم إن عظمة (محمد) هي حصرا وتحديدا في كونه نبيا ورسولا فماذا يتبقى لديه في موازين النقد والتقييم حتى ينصفه ويوفيه حقه ؟!

عندما نقول عن محمد عليه السلام إنه "عظيم وعبقري" فليس ذلك بديلا عن (الرسالة والنبوة) التي يصدّق بها المؤمن ، ولكن للتعبير عن الجانب الإنساني من شخصية محمد العظيم .. محمد الداعية .. محمد الزعيم السياسي وصاحب الكاريزما .. محمد القائد العسكري والإداري .. محمد مؤسس الدولة وموحد العرب وفاتح العالم ..

لقد كتب كثير من الغربيين والمستشرقين ومنهم ملاحدة يشيدون بالعظمة الإنسانية في شخصية (محمد الإنسان) ، منهم توماس كارليل في كتاب قيم بعنوان " محمد المثل الأعلى " ، وهناك أيضا كتاب مشهور لمايكل هارت المترجم بعنوان " الخالدون مئة أعظمهم محمد " وفيه يقول " الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحا مطلقا على المستوى الديني والدنيوي .. إنه أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ "

إن رسالات السماء لا تتنزل عبثا لأن الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وإن الله يصطفي رسلا من الملائكة والناس ، وإن الرسول الموصول بالسماء ينبغي أن يرتفع إلى أعلى سويّة إنسانية وروحية تؤهله لتلقي ذلك النور من السماء وهداية الناس إلى صراط الله المستقيم ، وإن تلك العظمة تخلقها المواهب النفسية والروحية والعقلية ولا تصنعها ألفاظ التمجيد والثناء وحلقات الذكر والأوراد والمدائح النبوية !
اهلااا وسهلا فتى مكة

نورت المنتدى