مكث النبي (ص) ما يقارب لثلاث وعشرين سنة يحاول توحيد الجزيرة العربية و نشر دعوته العقائدية و السياسية فيها و آخيراً نجح بعد صعوبة كبيرة. و في الحقيقة ليس هو الذي نجح فكل شيء كان يجري بتوفيق الله وتخطيطه و أوامره، النبي لم يكن يفعل شيئًا من تلقاء نفسه بل كان ينتظر جبريل الذي كان يخبره بكل شيء و يسيره و هو لم يكن سوى منفذ للخطط السماوية. لم يكن هناك ذلك الجهد الذاتي، فهو محروس من قبل الله و يقوم بتنفيذ الأوامر التي تأتيه.

يتضح من خلال قراءة التاريخ أن الهدف الكبير لم يكن مقصورا على الحجاز و نجد و اليمن و البحرين، فكثيراً ما تحدث النبي عن المدائن و دمشق و مصر، حتى القسطنطينية و بقية أوروبا. الطموح كان كبيراً جداً.

بعد وفاة النبي بما يقارب سنتين، وفي غضون سنين قليلة، استطاع عمر بن الخطاب أن يضم العراق وما وراءها من بلاد فارس ليعلن بذلك نهاية الامبراطورية الساسانية الفارسية للأبد في بضع معارك رئيسة، ثم أزاح الروم عن بلاد الشام و سيطر على مصر. كل هذا في أقل من تسع سنوات فقط و دون مساعدة مباشرة من جبريل و دون أمر و نهي بل بجهد عقلي بشري و خبرة و تجربة عمرية فذة و و دراية قيادية و إدارية عبقرية و حسن سياسة في الحرب و السلام.

و ليس هذا فقط، فبعد وفاة النبي محمد انقلبت الجزيرة وعادت الأمور لأسوأ مما كان ولم يبقى في الدولة سوى الحجاز ( العاصمة و مكة والطائف) ، بينما استطاع عمر أن يثبت قواعد الدولة في هذه المساحة الشاسعة و يؤسس لمدنٍ جديدة في محاولة لتقليل فاعلية العواصم القديمة كالمدائن و الاسكندرية واستثنى منها دمشق، و ساد الأمان و استمرت الدولة على كل الأصعدة بعد وفاته. بدون مساعدة مباشرة من ذلك العالم العجيب !

في النهاية، وإن كان النبي هو مؤسس العقيدة السياسية الجديدة و هو الذي صارع السائد القديم المتخلف المحدود و قضى عليه إلا أنه لم يفعل ذلك بملء إرادته بل كان مجرد منفذ لتوجيهات سامية. ومع إيماني العميق أن عمر مجرد حسنة من حسنات النبي إلا أنه استطاع أن ينجز إنجازاتٍ كثيرة و كبيرة جداً في وقت قياسي و بمحض الإرادة البشرية و الأدوات الأرضية البحتة دون مساعدة مباشرة بخط متصل مع العالم الغيبي كالأنبياء و المرسلين.