رحم الله أبي العلاء المعري
وقاتل الله الجهل والتعصب .. !
موضوع لا يختلف كثيرا عن سلوك إرهابيي جبهة النصرة الذين قطعوا رأس تمثال المعري في مسقط رأسه بلدة معرة النعمان المحتلة من الإرهابيين ، ويصدر عن نفس التوجّه التكفيري ضيّق الأفق فكريا وثقافيا ..
أبو العلاء المعري علم من الأعلام الذين يفاخر بهم الأدب العربي على مر الدهور ، طالما عاني من جهلاء عصره ومتحذلقي عصرنا من أدعياء الغيرة على التراث والعقيدة والشريعة ، وتعرّض كثيرا لإساءة الفهم والظلم والتجني وسوء الظنون بعقيدته ، رغم أن ذلك تطاول مكره على ضمائر الناس فلايجوز لأحد أن ينصب محكمة لأحد بناء على تفسير لبيت شعر هنا أو هناك ..
انتقد المعري النفاق والرياء والتظاهر بالتقوى والتجارة بالدين ، وله في ذلك الأبيات الصادعة:
تستروا بامور في ديانتهم ... وإنما دينهم دين الزناديق
نكذب العقل في تصديق كاذبهم ... والعقل أولى بإكرام وتصديق
................
دعوا ومافيهمٌ زاك ولا أحدٌ ... يخشى الإله فكانوا أكلبا نُبُحا
وهل أعز قتيلً من رجالهمُ ... إذا تؤمّل إلا ماعزٌ ذُبِحا
خيرٌ من الملك الجبار شيمته ... ظلمٌ وحيف ظليم يرتعي الذبحا
وليس عندهم دين ولا نسك ... فلا تغرك أيدٍ تحمل السبحا
وكم شيوخ غدوا بيضا مفارقهم ... يسبّحون وباتوا في الخنا سُبُحا !!
..............
كذبٌ يقال على المنابر دائما ... أفلا يميدُ لما يقال المنبرُ
وانتقد المعري عبادة الآباء والأسلاف ، ورفض التسليم بدعاوي الإمام المعصوم ووصايته على الناس ، ونادى بإعمال العقل في الدين وتحكيمه في تراث الفقهاء والرواة ، وحارب الإرهاب الفكري الذي يلجئ الناس لإخفاء آرائهم والجهر بخلاف قناعاتهم الحقيقية:
جلو صارما وتلوا باطلا ... وقالوا: صدقنا ؟ فقلنا: نعم !
.............
عاشوا كما عاش آباءُ لهم سلفوا ... وأورثوا الدين تقليدا كما وجدوا
فما يراعون ما قالوا وما سمعوا ... ولا يبالون من غيّ لمن سجدوا
والعدمُ أروح مما فيه عالمهم ... وهو التكلّف إن هبوا وإن هجدوا
.........
يرتجي الناسُ أن يقوم إمامٌ ... ناطق في الكتيبة الخرساءِ
كذب الظن لا إمام سوى العقل .. مشيرا في صبحة والمساءِ
......
وينفرُ عقلي مغضبا إن تركته ... سدىً ، واتبعتُ الشافعيّ ومالكا
..........
جاءت أحاديثُ إن صحت فإن لها ... شأنا ولكن فيها ضعف إسناد
فشاور العقل واترك غيره بددا ... فالعقل خيرُ مشيرٍ ضمه النادي
وينتقد الملوك والأمراء الظلمة ويشهر بطغيانهم ، ويبين أنهم مجرد أجراء عند الرعية:
مل المقام فكم أعاشر أمة ... أمرت بغير صلاحها إمراؤها
ظلموا الرعية واستجازو كيدها ... وعدوا مصالحها وهم أجراؤها
....................
يسوسون الأمور بغير عقلٍ ... وينفذ حكمهم ويقال: ساسة
فأف من الحياة وأف مني ... ومن زمن رئاسته خساسة
.................
محمودنا الله والمسعود خائفه ... فعدّ عن ذكر مسعود ومحمودِ
ملكان لو أنني خيرت ملكهما ... وعود صلبٍ أشار العقل بالعودِ
قوتي غناي وطمري ساتري وتقى ... مولاي كنزي وورد الموت موعودي
كما يرد على الملاحدة ومنكري البعث ( وقد اتهم ظلما بالإلحاد) وذلك باستخدام الأسلوب البراغماتي (النفعي) في دفاعه عن البعث بعد الموت:
قالَ المَنجّمُ والطّبيبُ كِلاهما: لا تُحشَرُ الأجسادُ؛ قلتُ: إليكما
إن صَحّ قولُكما، فلستُ بخاسرٍ ... أو صَحّ قولي، فالخَسارُ عليكما
طَهّرْتُ ثَوْبي للصّلاةِ، وقبلَهُ طُهرٌ .... فأينَ الطّهرُ من جسديكما؟
وذكرتُ رَبّي، في الضّمائرِ، مؤنساً ... خَلَدي بذاكَ، فأوحِشا خَلَديكما
وبكرْتُ في البَردينِ أبغي رَحمَةً ... منهُ، ولا تُرَعانِ في بُرْديكما
إنْ لم تَعُدْ بيَدي مَنافعُ بالذي ... آتي، فهلْ من عائدٍ بيَدَيكما؟
بُرْدُ التّقيّ، وإن تَهَلّلَ نَسجُه ... خيرٌ بعلمِ اللَّهِ من بُرديكما
ذلك غيض من فيض
إن أبا العلاء المعري يبدو راهنا وحداثيا وتنويريا في العديد من أفكاره ، وشاكا متحيّرا متوقفا أحيانا ، ورجعيا في بعض المواقف مثل موقفه من المرأة على سبيل المثال التي لم يعرفها في حياته أو يرتبط معها بعلاقة عشق حقيقية أبدا ، والتي حرّم عليها القراءة والكتابة وأشار بتعليمها غزل الصوف والحياكة فقط وأساء الظن بطبيعتها ، ولكنه في كل الأحوال نموذج الاستقامة الخلقية والترفع عن الدنيا والزهد في حطامها .. ولكن ماالحياة الدنيا بدون تلك الملذات وذلك الحطام ؟!
تعال هنا ياولد وتعلم كيف تكتب المواضيع وكيف تصاغ المشاركات بموضوعية وعمق وعلم :
http://www.vb.6lal.com/showthread.ph...%C1&highlight=