هذه مواضيع سبق نشرها عام 2006م في موقع (سمر) الثقافي الذي اختفى من الشبكة مع الأسف بكل محتوياته الثقافية والفكرية والفنية الراقية ، وضاعت معه بقية الموضوعات لعدم الاحتفاظ بنسخة منها ..
هناك فارق ولاشك في التفكير والأسلوب على مدى ما يزيد عن عشر سنوات ، فقد خفت تلك الحماسة "الثورية" عن وقت تحرير تلك الكتابات إلى مزيد من العقلانية والتعقل ، مع الحفاظ على القيم الأساسية في "الحرية" التي هي بالأصل مصطلح خلافي على الصعيد الفلسفي وتظل دوما شديدة العمومية والإطلاق ، وبعد ما يسمّى "الثورات" أو "الربيع العربي" أصبحت الأولوية هي للتنوير وإلا فإن محصلة تلك الثورات أو الانتفاضات ستقع كالثمرة الناضجة أو الفاسدة في يد أشد التيارات تخلفا وظلامية و"قروسطية" ..
ونعيد نشرها كما هي بدون تعديل رغم الاختلاف مع بعض المحتوى ، وذلك من باب الحفاظ على التراث من الإبادة أو غزو المغول ، وشهادة على مرحلة معينة ولعل في ذلك بعض الفائدة أو المتاع
-1-
لكل أبناء الربّ أجنحة
"الخلق كلهم عيال الله، فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله" حديث رواه الطبراني وأبو يعلى والبزار
"في سالف الأيام كان لكل الأفارقة أجنحة، كانوا قادرين على التحليق كالطيور ".. وتواصل الأسطورة الشعبية الأفريقية الأمريكية سرد الحكاية :"كانت إمرأة تعمل في المزرعة، ولم تتعاف بعد من الوضع .. يصرخ وليدها فتجلس لترضعة .. يضربها سائق العبيد .. تقوم للعمل لكنها تسقط من شدة الوهن .. يضربها من جديد .. وهكذا حتى تتطلع المرأة لشيخ أفريقي من العبيد، وتخاطبة بلغة لايفهمها سادة المزرعة :"هل حان الوقت ياوالدي ؟" فيجيب :"حان الوقت ياابنتي ".. فإذا بالمرأة تطير بصغيرها وقد نبتت لها أجنحة .. يتكرر المشهد مع عبد آخر .. وحين ينتبه سيد المزرعة ونائبة وسائق العبيد إلى أن الرجل المعمّر هو مصدر الكلمات التي تجعل العبيد يطيرون يهجمون عليه لقتله، ولكن الشيخ يضحك ويوجه خطابه لكل عبيد المزرعة بصوت جهوري .. ويستجمع العبيد قواهم، وينهضون جميعا .. العبيد القدامى والعبيد الجدد .. رفع الشيخ يديه فقفزوا جميعا في الهواء وهم يهتفون بصوت واحد .. وفي لحظة كانوا يحلقون كسرب من الطيور .. الرجال يصفقون .. والنساء يغنين .. والأطفال يضحكون .. ولم يكونوا خائفين "
ولكل المظلومين أجنحة .. ولكل المضطهدين والمقموعين أجنحة .. ولكل المحرومين والبائسين أجنحة ..
يمتلئ سِفر التكوين بفصول وملاحم من الصراع الوجودي الأزلي بين قوى الظلام وقوى النور .. بين العدل والظلم .. بين الحرية والإستبداد .. فصول كتبتها يدُ الأقدار بأحرف ملتهبة تقطر بالدم والدموع، وتضجّ بآهات المحرومين، وزفرات المظلومين، وتنهّدات المستضعفين ..
طالما استمرأ الظلام أن يمارس الخداع والتزوير، وأن يحجب مقاصده بأقنعة مستعارة، وأزياء تمثيلية مسرحية ..
وطالما حاول أن يزيّف الوعي، ويخدّر الشعور، ويقلب الحقائق والمفاهيم ..
استطاعت قوى الظلام أن تعيد كتابة التاريخ وفق منظورها، وتصوغ القيم والمبادئ حسب رؤيتها ومصالحها .. حيث أُدينَت الثورة ضد الظلام، واعتُبِرت تمردا وخروجا على قوانين الطبيعة، وأصبحت المطالبة بالعدالة مروقا، والمناداة بالحرية فسقا ومعصية، أو انتهاكا للثوابت والمقدسات ..
واستطاعت قوى الظلام ولو إلى حين، أن تحكم قبضتها، وأن تشدّ وثاقها، وتنيخ بكلكلها، وتجثم بسوادها الحالك على الأجساد والأرواح ..
وأُغلِقت أبواب الأرض أمام المستضعفين، وسُّدت منافد الأمل والرجاء، وجفت الدموع في الأحداق، ولم يبق إلا الآهات المكظومة، والزفرات التي تتصاعد ضارعة متوسلة إلى السماء ..
ولكن ظلام الليل لايطول، وإنسانية الإنسان تتململ من غفوتها، وتنتفض من تحت ركام الزيف والخداع، وتستعيد الثقة في ذاتها وإمكاناتها، وتتسلح بالوعي والإرادة، وتمتلك زمام المبادرة لتحسين شروط حياتها، وصناعة حاضرها ومستقبلها ..
إن القيود والأصفاد تتحطم بنيران السواعد والزنود القوية ..
وإن الأسوار تتداعى، والسدود والحدود تتهاوى بعنفوان العزيمة وقوة المستضعفين ..
وإن الظلام يتراجع وينسحب مهزوما ساحبا معه فلوله وبقايا حطامه ..
أبناء الرب المستضعفين لم يعد بالإمكان خداعهم واستعبادهم بعد اليوم .. لقد طلعت لهم أجنحة ونبت لهم ريشا .. وأصبحوا قادرين على التحليق عاليا عاليا .. فوق الواقع المحدود .. وفوق الجراح واليأس والإحباط .. وفوق جيوش الظلام .. ونحو مشرق نور الشمس والحرية ..
خاتمة :"ليس المستقبل هو مايحدث، وإنما مانصنعه نحن "