قال تعالى :

﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً

(سورة الإسراء)




في هذه الآية ملمح دقيق جداً، لِمَ لم يقُل اللهُ عزّ وجل ربي اجعلني صادقاً وانتهى الأمر، قالَ أدخلني صادقاً وأخرجني صادقاً، ذلكَ أنَّ أُناساً كثيرين يدخلونَ إلى عملٍ ما صادقين أمّا إذا خَرَجوا خرجوا كاذبين فالبطولة بالثبات، قد تُنشئ مثلاً مشروعاً خيريّاً وفي نيّتِكَ أن يكونَ لِوجهِ الله وأن تنفعَ بِهِ المسلمين فحينما ترى أنكَ أصبحتَ قوياً ولَكَ دخلٌ كبير قَسَى قلبُك وأصبحتَ ماديّاً وأصبحَ هذا المشروع الخيري استثماريّاً ..!


طبعاً هناك الآف الأمثلة .. دخلَ صادقاً وخَرَجَ كاذباً .. فالبطولة أن تدخُلَ صادقاً وأن تخرُجَ صادقاً في كُلِّ عمل ، الصعود إلى القمة يحتاج إلى جهدٍ كبير لكنَّ السقوط من القمة إلى الحضيض يتمُّ في ثانيةِ واحدة، فليست البطولةُ أن تَصِلَ إلى القمة بل أن تبقى فيها، والبقاءُ في القِمةِ يحتاجُ إلى يقظةٍ شديدة، وإلى دقةٍ، وإلى ثباتٍ، وإلى مراقبةٍ للهِ عزَّ وجل


فالنبيُ الكريم ... مكةُ التي ناصبتهُ العِداء عشرينَ عاماً ثمَّ فَتَحَهَا، لم تأخُذهُ نفسيّةُ الفاتحين بل دَخَلَها مُطأطِأَ الرأس تواضُعاً للهِ عزّ وجل، كانَ نقياً وهوَ ضعيف وبَقِيَ نقياً وهوَ قوي، كانَ نقياً وهوَ فقير وبَقِيَ نقياً وهوَ غني

فالعِبرة الثبات وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدوَمُها وإن قلّ حتى أحوال النفس، الافتقار إلى الله مع الضعف طبيعي أمّا أن تبقى مفتقراً وأنتَ قوي فهذا يحتاج إلى بطولة .. الافتقار وأنتَ فقير طبيعي أمّا أن تفتقر وأنتَ غني فهذا إدراك عميق جداً لِضعف الإنسان، وأنتَ في أوجِ قوتك، وأنتَ في أوجِ نجاحِك، وأنتَ في أوجِ غِناك يجبُ أن تكونَ مفتقرِاً إلى الله لِئلا تُؤدّب .. رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ .




* موسوعة النابلسي