جُلّنا يحترم العلماء وكثير منا لا يخطر بباله أن عالما أو خطيب جمعة أو إمام مسجد أو رجلا مَمّن عُرِف عنهم التديّنُ أن ينقلوا حديثا مكذوبا أو موضوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم

وسبب اعتقادنا هذا أننا مسلمون وأننا نفترض بداهة في الإنسان المسلم عدم كذبه على النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا ذنب عظيم باتفاق المسلمين جميعا بلا خلاف والله عز وجل نهى المسلم عن الكذب عموما وعن الكذب وإدخال في الدين ما ليس منه فقال عز من قائل في محكم تنزيله:
((قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله مالا تعلمون))

وقول الله تبارك وتعالى:
((فويلٌ للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون))

ولأننا جميعا نعرف الحديث المشهور المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم والذي رواه ستون صحابيا (منهم العشرة المبشرون بالجنة) والذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم:
((من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار))

ولكن ..
هنالك العديد من الأحاديث التي يرويها أئمة المساجد والخطباء ينقلون أحاديث موضوعة أو ضعيفة شديدة النكارة عن النبي صلى الله عليه وسلم

وليست أحاديث مختلف في صحتها من عدمها بين عالم وآخر وإنما هنالك شبه اتفاق على أن مثل هذا الحديث لم يُسْمع من النبي صلى الله عليه وسلم بسند صحيح.

وقد يكون هذا النقل بحُسْن نيّة اعتقادا منهم بصحّة الحديث – وهذا لا يعفيهم من المسؤولية قطعا – وقد يكون هذا النقل لترويج أفكارهم التي يريدون أن يقنعوا الناس بها

ومن أشهر هذه الأحاديث ما كان يذكره خطباء المساجد لدينا قبل سنوات على المنابر وكان يُطبع على الأوراق ويُوزّع في الأسواق ويتمّ وضعه على السيارات:

من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة ستة منها في الدنيا وثلاثة عند الموت وثلاثة في القبر وثلاثة عند خروجه من القبر أما الستة التي تصيبه في الدنيا فهي:
1- ينـزع الله البركة من عمره.
2- يمسح الله سيما الصالحين من وجهه.
3- كل عمله لا يؤجر من الله.
4- لا يرفع له دعاء إلى السماء.
5- تمقته الخلائق في دار الدنيا.
6- ليس له حظ في دعاء الصالحين.
أما الثلاثة التي تصيبه عند الموت فهي:
1- أنه يموت ذليلاً .
2- أنه يموت جائعاً .
3- أنه يموت عطشان ولو سقي مياه بحار الدنيا ما روي عنه عطشه.
أما الثلاثة التي تصيبه في قبره فهي:
1- يضيق الله عليه قبره ويعصره حتى تختلف ضلوعه .
2- يوقد الله على قبره ناراً في جمرها.
3- يسلط الله عليه ثعبانا يسمى الشجاع الأقرع يضربه على ترك صلاة الصبح من الصبح إلى الظهر وعلى تضييع صلاة الظهر من الظهر إلى العصر وهكذا .. كلما ضربه يغوص في الأرض سبعين ذراعاً.
أما الثلاثة التي تصيبه يوم القيامة فهي:
1- يسلط الله عليه من يصحبه إلى نار جهنم على جمر وجهه.
2- ينظر الله تعالى إليه بعين الغضب يوم الحساب ويقع لحم وجهه.
3- يحاسبه الله عز وجل حسابا شديدا ما عليه من جهد ويأمر الله به النار وبئس القرار.
فهذا النص الطويل ليس بحديث ولم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم قط بل هو افتراء من الافتراءات على النبي صلى الله عليه وسلم انتشر بين الخطباء على المنابر ثم انتشر بين عوامّ الناس وكان يُطبع ويوزّع في المساجد وفي الأسواق وعلى نوافذ السيارات وأصبح – بسبب انتشاره الشديد – عند البعض من المسلّمات التي يخوّف بها الآباء أبناءهم عند تركهم الصلاة!

وقد قال عنه الإمام الذهبي بأنه حديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه "الميزان" وقال الحافظ ابن حجر عن هذا الحديث في ترجمة رواته في لسان الميزان "وهو ظاهر البطلان من أحاديث الطرقية" وذكره الإمام السيوطي في الموضوعات

تخيّل من ألّف (أو ألّفوا) هذا الحديث وكيف برر لنفسه الكذب على خير البرية صلى الله عليه وسلم – وعلى الله سبحانه وتعالى بالتبعيّة – وربما كان يقول لنفسه (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله)

ومثله الحديث المنتشر أيضا بين الناس

((لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد))
وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "ليس له إسناد ثابت وإن اشتهر بين الناس". وقال ابن حزم: "هذا الحديث ضعيف وقد صحّ من قول عليّ". وضعّفه الشيخ الألباني رحمه الله

وكذا الحديث الذي يتداوله الكثيرون:

((إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان))
فهذا الحديث قال فيه الإمام الذهبي رحمه الله: "فيه درّاج وهو ذو مناكير" وقال الدارقطني: "ضعيف" وخصَّ الإمام أحمد وأبو داوود تضعيف درّاج بن سمعان في الأحاديث التي رواها عن طريق أبي الهيثم وقال الإمام أحمد: "حديث منكر ودرّاج له مناكير"

وقال الشيخ الألباني رحمه الله عن هذا الحديث: ليس بصحيح ولا حسن الإسناد ؛ لأنه من طريق دراج أبي السمح عن أي الهيثم عن أبي سعيد ، ودراج هذا قال الحافظ في التقريب: "صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف"
وقال بعض العلماء أن لفظ الحديث لا يصح لأنه لا يستطيع أحد من الناس أن يشهد بالإيمان لأي أحد لأن الإيمان في القلب مما لا يمكن لبشر أن يشهد على ما لا يراه

وكذلك الحديث المشهور:

((أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار))
فهذا الحديث مُعضل وسنده منقطع فراوي الحديث عبيد الله ابن أبي جعفر لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ولا حتى من الصحابة وكما قال الشيخ الألباني رحمه الله: "وهذا إسناد ضعيف لإعضاله، فإن عبيد الله هذا من أتباع التابعين ، مات سنة 136 ، فبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم واسطتان أو أكثر" وهذا الحديث لم يخرجه أحد غير الدارمي ولم يوجد في كتاب قبله وكل من رواه بعده فقد رواه من طريق الدارمي.

ومنها أيضا الحديث الذي يتداوله الخطباء كلما جاء الحديث عن الممثلات والمغنيات والمذيعات ومن يرونهنّ عاصيات أو عاهرات

((إياكم وخضراءُ الدِّمن فقيل: ما خضراء الدِّمن؟ قال المرأةُ الحسناء في المنبت السوء))
قال الدارقطني في هذا الحديث: "لا يصح من وجه" وقال ابن الملقن في البدر المنير: "قد عُلِم ضعفه" وقال عنه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة: "ضعيفٌ جدا" وقال السخاوي في المقاصد الحسنة: "موضوع"

ومن أشهر الأحاديث التي يلقيها الخطباء تخويفا للنساء وتحذيرا لهن من معصية أزواجهن:

((أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة))
ففي سند هذا الحديث شخص اسمه "مساور الحميري يرويه عن أمه" وقد قال الإمام الذهبي رحمه الله في كتابه المغني في الضعفاء: "مساور الحميري عن أمه عن أم سلمة يُجهل والخبر منكر"

وقال الحافظ بن حجر رحمه الله في كتابه لسان الميزان: "مساور الحميري عن أمه وعنه أبو نصر عبد الله بن عبد الرحمن الضبي مجهول"

وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله في كتابه العلل المتناهية: "مساور مجهول وأمه مجهولة".

وقال الشيخ الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: إن مساوراً هذا وأمه مجهولان. وقال رحمه الله في موضوع آخر: وبالجملة فالحديث منكر لا يصح لجهالة الأم والولد.

فتخيّل معي أن هذا الحديث الذي ذكره الخطباء على المنابر آلاف المرّات وعلّمه في المدارس المدرِّسون لطلّابهم والمدرسات لطالباتهن آلاف المرات ولا يعلم الناس حتى من يُفترض بهم أن يعلِّموا أنه حديث مُنكر بالغ النكارة بقول علماء الرواية والدراية

ومن الأحاديث المكذوبة أيضا ما ذكر بعض المفترين أن عليا بن أبي طالب كرّم الله وجهه قد قاله:

دخلت أنا وفاطمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يبكي بكاءً شديدًا، فقلت: فداك أبي وأمي يا رسول الله: ما الذي أبكاك؟
فقال صلى الله عليه وسلم: يا علي، ليلة أسري بي إلى السماء رأيت نساء من أمتي في عذاب شديد، وأنكرت شأنهن لما رأيت من شدة عذابهن؛
رأيت امرأة معلقة بشعرها يغلي دماغ رأسها، ورأيت امرأة معلقة بلسانها والحميم يصب في حلقها،
ورأيت امرأة معلقة بثديها، ورأيت امرأة تأكل لحم جسدها والنار توقد من تحتها، ورأيت امرأة قد شدت رجلاها إلى يديها وقد سلط عليها الحيات والعقارب،
ورأيت امرأة صماء عمياء في تابوت من النار، يخرج دماغ رأسها من فخذيها وبدنها متقطع من الجذام التقطيع والبرص،
ورأيت امرأة معلقة برجليها في النار،
ورأيت امرأة تقطع لحم جسدها في مقدمها ومؤخرها بمقاريض من نار،
ورأيت امرأة تحرق وجهها ويديها وهي تأكل أمعاءها،
ورأيت امرأة رأسها رأس خنزير وبدنها بدن حمار وعليها ألف ألف لون من العذاب،
ورأيت امرأة على صورة كلب والنار تدخل من دبرها وتخرج من فيها والملائكة يضربون على رأسها وبدنها مقامع من نار.
فقالت فاطمة: حبيبي وقرة عيني: أخبرني ما كان عملهن وسيرهن حتى وضع الله عليهن العذاب،
فقال صلى الله عليه وسلم: يا ابنتي ..
أما المعلقة بشعرها فإنها كانت لا تغطي شعرها من الرجال،
أما المعلقة بلسانها فإنها كانت تؤذي زوجها،
أما المعلقة بثديها فإنها كانت تمتنع عن فراش زوجها،
أما المعلقة برجلها فإنها كانت تخرج من بيتها بغير إذن زوجها،
أما التي تأكل لحم جسدها فإنها كانت تزين بدنها للناس،
أما التي شد يداها إلى رجليها وسلط عليها الحيات والعقارب فإنها كانت قليلة الوضوء قذرة الثياب وكانت لا تغتسل من الجنابة والحيض ولا تتنظف، وكانت تستهين بالصلاة،
أما العمياء والصماء والخرساء فإنها كانت تلد من الزنا فتعلقه بعنق زوجها،
أما التي كانت تقرض لحمها بالمقارض فإنها كانت قوادة،
أما التي رأسها رأس خنزير وبدنها بدن حمار فإنها كانت نمامة كاذبة،
أما التي كانت على صورة كلب والنار تدخل من دبرها وتخرج من فيها؛ لأنها كانت مغنية نواحة.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل لامرأة أغضبت زوجها، وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها،
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فسند الحديث المرويّ فيه مجاهيل منهم علي بن عبد الله الوراق وعبد العظيم الحسني وقد ذكره الذهبي بدون عزو ولا سند وقال محققه مصطفى عاشور لم نقف عليه، وقد أورده الهيتمي في الكبائر بدون سند ولا يوجد سند يوثق قول النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الحديث!

ومما يؤسف له أن مثل هذا الحديث يُطبع ويوزّع في بعض مدارس البنات اعتقادا من المعلّمات بصحة الحديث وتخويفا للبنات من العقوبات المذكورة فيه وحثا لهن على إطاعة أزواجهن

وأنا هنا لا أقول أن ترك الصلاة أمر هيّن .. أو أن الصلاة في البيت مثلها مثل الصلاة في المسجد

ولا أقول أن عصيان الزوجة لزوجها أمر مقبول ولا أن رفقة السوء لا تؤثر على الإنسان أبدا ..

ولكن لدينا في صِحاح الأحاديث التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد قوية ما يغني عن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الله عز وجل بالافتراء على خاتم من اصطفاهم لرسالاته

والمصيبة أن نشر مثل هذه الأحاديث المنكرة ضرره عظيم على المسلمين وعلى صورة الإسلام عند الآخرين – والتي لا تحتاج إلى تشويه أصلا – فلهذا من المفترض علينا أن نتمهّل قبل أن ننقل أيّ حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن نتوخّى الدقة حتى لا تعود ضررا علينا وما انتشار الإلحاد وكره الدين والتشكيك في الأحاديث حاليا إلا بسبب أن الناس بدأت تقرأ وتتثقف وتفهم وتعي أن كثيرا مِمّا كانوا يؤمنون بأنه صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم هو مكذوب موضوع لا يؤخذ به !