.

.



وإن أشعر بيت أنت قائله ** بيت يـُـقال إذا أنشدته صدقا


منذ الصغر عمري ما حبيت الشعر الحر أو شعر التفعيلة
مهما كانت انسيابية القصيدة والمعنى الذي تحمله
فلم أجد نفسي أبدا من محبيه .
بل إن هنالك قصائد من الشعر الحر لا تفهم مغزاها مهما اوتيت من ثقافة
أدبية ولغوية وتريخية ، فكأنها ألغاز يطرحها الشاعر ، أو دندنات نفسية
من خياله ، فمن أين لنا معرفة ما يفكر فيه وهو لم يبين أو يوضح .

يا زين الشعر الجاهلي ، لو ما فهمته فيكفيك أن تعرف معاني بعض
الكلمات فتفهم المعنى ، أما اليوم فالكلمات واضحة بينة ومع ذلك لا تفهمها .
وهذه القصيدة أو ما يُسمى بالقصيدة مثال على ما قُلته ، وهي للشاعر
محمود درويش قرأتها مرارا وسمعتها منه بصوته ولم اتبين مقصده :


هوَ هادئٌ، وأنا كذلك
يحتسي شاياً بليمونٍ
وأشربُ قهوةً
هذا هو الشيءُ المغايرُ بيننا
هوَ يرتدي مثلي، قميصاً واسعاً ومُخططاً
وأنا أطالعُ، مثلَهُ صُحُفَ المساءْ
هو لا يراني حين أنظرُ خلسةً
أنا لا أراه حين ينظرُ خلسةً
هو هادئٌ ، وأنا كذلك.
يسألُ الجرسون شيئاً
أسألُ الجرسونَ شيئاً
قطةٌ سوداءُ تعبُرُ بيننا
فأجسّ فروةَ ليلها
ويجسُّ فروةَ ليلها
أنا لا أقول لَهُ :
السماءُ اليومَ صافيةٌ
وأكثرُ زرقةً.
هو لا يقول لي :
السماءُ اليوم صافيةٌ.
هو المرئيُّ والرائي
أنا المرئيُّ والرائي
أحرِّكُ رِجْليَ اليُسرى
يحرك رجلَهُ اليُمنى
أدندنُ لحن أغنيةٍ
يدندن لحن أغنية مشابهةٍ
أفكِّرُ، هل هو المرآة أبصر فيه نفسي ؟
ثم أنظر نحو عينيه
ولكن لا أراهُ
فأتركُ المقهى على عجلٍ
أفكّر ، رُبَّما هو قاتلٌ
أو رُبما هو عابرٌ قد ظنَّ أني قاتلٌ
هو خائفٌ ، وأنا كذلك!


فهل فهم أحدهم مغزى القصيدة ؟
وهل يستطيع أحدكم بعد ان قرأ القصيدة أن يقول : صدق والله الشاعر ؟