حين قال أبوبكر سالم : دلّوني على المسرح !

محمد سلامة


_____________________




كان أبوبكر سالم بلفقيه كبيراً منذ شبابه كبيراً بفنه وتأثيره على من حوله

ولهذا التأثير قصة نستدل بها في بداية مقالنا هذا .... فما هي ؟


كان أبوبكر سالم في نهاية الخمسينيات الميلادية قد بدأ للتوّ الكتابة والتلحين والغناء

وكان كما عرفنا أنه يكتب ويلحن لنفسه في حالة يسميها العالم : ( الفنان الشامل )

ومعنى الفنان الشامل يعني أنك لو وضعته في غرفة مفردة وأقفلت عليه الباب أياماً وليالٍ

لخرج لك بكلمات وألحان وأغانٍ صنعها هو بنفسه.. لا يدعمه سوى نبوغه وحسّه المرهف الربّاني





نعود للقصة التي أردنا بها الاستدلال فنقول :

حينما كان أبوبكر يافعاً في السن يسكن في أعماق حضرموت كتب كلاماً ثم لحنه وغناه فقال :

يا ورد محلا جمالك بين الورود

يا غصن محلا قوامك لما تجود

الزين ذا كله ولا مرة تنود ؟

يا ورد.. يا ورد..

محلا جمالك بين الورود !


وكان أن تعدت الأغنية محيط حضرموت لتصل للحجاز عبر النقل السمعي عن فلان وفلان

لتصل لأذن طلال مداح الشاب اليافع هو الآخر آنذاك

فقال لمن الأغنية ؟ فقال الناقلون لا نعلم .. يبدو أنها من التراث !



فغناها طلال في جلساته مع الأصدقاء ثم قرر تسجيلها في بيروت في بداية الستينيات الميلادية

وبالفعل أصدر طلال أسطوانة (ياورد محلا جمالك) ناسباً الكلمات والألحان للتراث

وبسرعة البرق وصل الخبر لأبوبكر سالم الذي استشاط غضباً في مقره بحضرموت

وانطلق إلى جدة بحثاً عن هذا الفنان الذي أصبح يغني أغانيه…

وحين وصل إلى جدة وجد أن طلال كان مسافراً يحيي حفلات وليالٍ ببيروت

فقال: دلوني على المسرح !

ودلّه العارفون على مسرح التلفيزيون الذي لم يكن يغني فيه آنذاك سوى طلال وطارق وفوزي

فسمعه المسؤولون وفتحوا له المسرح ليغني فأمسك عوده وغنى بلهجته الحضرمية :

تسلّى يا قليبي

شوف الدنيا مخلاة

وكم من مال يمسي

لمولى غير مولاه !


ثم أتبعهم بأغنية :

يا دوب مرت عليّ

أربع وعشرين ساعة..

ضاع الهوى ياخسارة

ضاع كل التياعه !


كان هذا اللون والأداء والإيقاعات جديدة على أهل الحجاز

وكان أن لاقى استحسان الجميع وثناءهم فوصل الخبر لطلال مداح في لبنان

وقالوا له عُد إلى جدة فهناك حضرمي شاب أتى من بلاده ليحتل مكانك

فعاد طلال من فوره.. وما إن عاد حتى عاتب أبوبكر طلال على أغنية ( ياورد )

وشرح له طلال الأسباب وحسن النية فانسرح قلب أبوبكر لطلال على صراحته وغدى الاثنان أصدقاء





ما زلنا نتحدث عن تأثير أبوبكر سالم في الجزيرة وعن علاقته بطلال مداح فنقول :

كان طلال أن قدم أغنية لم تنجح من كلمات الأمير بدر بن عبدالمحسن المتيّم بطلال آنذاك

فنوى طلال أن يعوّض الأمير فطلب منه كلمات جديدة فأعطاه البدر كلمات : ( عطني المحبة )

وحين بدأ طلال في التلحين احتار في البداية ولم يجد بدّاً من اللجوء لصديقه الجديد أبوبكر سالم

وقال له ماذا تقترح ؟ كيف نبدأ اللحن ؟

قرأ أبوبكر الكلمات ثم أمسك بالطبلة وبدأ يغني على إيقاع ( الشرح الحضرمي ) :

“عطني المحبة

كل المحبة عطني الحياة

عطني وجودي

أبغى وجودي أعرف مداه”


ثم أكمل طلال بإيقاع الرومبة :

“سمعني كلمة فيها حنانك

تفرش دروبي فرحة عشانك..”




وهكذا صنع هذا الحضرمي بداية أحد أجمل الأغاني السعودية والتي كان تأثير أبوبكر فيها واضحاً وصريحا





بقي أبوبكر بعد ذلك في الجزيرة العربية ولم يفارقها وامتدّ تأثيره لجميع الفنانين دون استثناء

فغنى له جميع الفنانين ( بشلّ حبك معي ) و ( سرّ حبي ) و ( ماعلينا ) …

وارتبط أبوبكر بالأرض أكثر واكثر فعوضاً عن أغنيته الشهيرة

التي تغنى بها بأرض السعودية ( يا بلادي واصلي )

فقد كتب ولحن وغنى فقال :

“يا مسافر على الطايف طريق الهدا

شوف قلبي من البارح عليك ماهدا ! ”


نعود لارتباط الراحلين أبوبكر سالم وطلال مداح .. فقد كان ارتباطهما شديداً

فقد كتب أبوبكر لطلال ولحّن له أغنية بعنوان (دا اللي حصل) وغناها طلال كثيراً في جلساته..

وحين مات طلال مداح فُجع صديقه أبوبكر فصعد على المسرح

وقال أمام الجموع أهدي هذه الكلمات لأخي طلال مداح.. ثم غنّى وهو يبكي بما يشبه الرثاء وقال :

“دا اللي حصل من بعد

ما قضّيت أعشار السنين

يتهدّم المبنى..

اللي ساسه مكين

ما بين طرفة عين

راح الحبيب الزين

وراحت معه أحلى

ليالي حبي الغالي الثمين

دا اللي حصل يا زين !”


كان هذا رثاؤك لصديقك بالأمس القريب يا أبوبكر بن سالم بلفقيه.. واليوم نرثيك بلسانك نفسه ونكرر:

“ما بين طرفة عين

راح الحبيب الزين ”



بالفعل راح الحبيب الزين ..

راح من قال دلّوني على المسرح ….

راح أبوبكر !