مشكلة الكثير لدينا في هذه البلاد أنهم انقسموا إلى قسمين نقيضين

قسم متزمّت متشدد .. يرى كل من يخالفه كافر أو زنديق تجب مخالفته ومعاقبته وهجره أو قتله أو نفيه !

وقسم نفر منهم فذهب إلى النقيض يطالب بالتحرر من الدين وبالسماح بما حرم الله عز وجل ..

ولكل قسم "قطيع" يتبعهم عميانيا دون أن يعلموا حقيقة الأمر ..

وبين هذا وذاك .. ضاع أهل الوسط فالمتشددون ينظرون إليهم على أنهم ليبراليون زنادقة

والليبراليون ينظرون إليهم على أنهم بقية من أهل التشدد وأنهم ضد التطور ومثال للتخلف !

عودة إلى ما قاله السحيمي وسأفنده إلى عدة نقاط ..

أولا: كلامه عن الأذان أنه مزعج .. رغم أننا كمسلمين نحب الأذان ونسعد بسماع المؤذن جميل الصوت الذي يهتف بنداء الحق .. ولكننا في هذه البلاد للأسف الشديد ابتلينا بمن لا يُحسنون الأذان يتقدمون لأدائه مما سبب تشويها لمعنى الأذان الحقيقي وهو الدعاء إلى فروض الله عز وجل والتنبيه بدخول وقتها فأهم شرط في المؤذن هو حُسن الصوت والرسول صلى الله عليه وسلم قال لمن رأى رؤيا الأذان (عبد الله بن زيد رضي الله عنه): ((فاخرج مع بلال فألقها عليه ولينادِ بلال فإنه أندى منك صوتا))

فهذا الشرط تجاهله الكثيرون للأسف وأصبح الكل يؤذن سواء كان جميل الصوت أو لا .. وسواء أحسن أداء الأذان أم لم يُحسنه .. وهذا أحد أهم الأسباب في نفور الناس من الأذان .. وهو عدم تطبيق أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم في اختيار المؤذن وتجاهل سنته صلى الله عليه وسلم

ثانيا: المكبرات .. بالفعل .. للأسف الشديد أصبح بعض القائمين على المساجد يرفع أصوات المكبرات إلى درجة مزعجة تفزع أهل الحي ونساءه وأطفاله ومرضاهم وكبار السن وحتى جمال صوت المؤذن يضيع مع الصوت العالي ولعلي أضيف نقطة أخرى وهي "التلاعب بالصدى" والذي يشوه الأذان ويشوه أيضا قراءة الأئمة ولا يجعل المصلين يفهمون ما يقول المؤذن أو الإمام ..

أنا لست ضد التقنية في ذاتها .. فقليل من الصدى بالفعل يعطي جمالا للقراءة وللأذان ولكن للأسف الشديد مبالغة البعض في إعدادات الصدى أتى بنتائج عكسية وهذا يعرفه مرتادو المساجد

وعلى فكرة أذكر رأيا للشيخ بن عثيمين يرحمه الله في هذا الباب فكان رأيه أن يقتصر استخدام المكبرات في الأذان والإقامة وأن تكون القراءة ساعة الصلاة بالسماعات الداخلية فقط دون الخارجية

وأذكر استاذنا لمادة الفقه 101 في جامعة أم القرى الدكتور عبد الله الرسيني (رحمه الله إن كان قد توفي) كان له رأي مشابه قاله لنا عام 1419هـ !

ثالثا: لا أعلم إن كان السحيمي قد "افترى" على الرسول صلى الله عليه وسلم متعمدا في مسألة مسجد الضرار أم أن المعلومة أتته بشكل خاطئ أو أنه لم يفهمها ولكنني أميل إلى أنه لا يمكن أن يجهل مثله هذه المعلومة الأساسية لهذا الحدث المهم في التاريخ الإسلامي فمسجد الضرار لم يُهدم بسبب إزعاج أو صوت عال أو غير ذلك وإنما بسبب أنه كان بؤرة لتجمع المنافقين وتخطيطهم لضرار المسلمين فسماه الله عز وجل ضرارا وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم الصلاة فيه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضا من صحابته بهدمه (وقيل منهم وحشي)

وإن كان السحيمي قصد أن بعض المساجد تُبنى رياء ولغير وجه الله عز وجل - ولا أظنه قد قصد هذا على الإطلاق - فإنه قد أصاب في هذا فعلماء المسلمين على نفس هذا المبدأ وقد قال القرطبي: (قال علماؤنا: وكل مسجد بُني على ضرار أو رياء وسمعة فهو في حكم مسجد الضرار لا تجوز الصلاة فيه)

رابعا: مسألة كثرة المساجد .. للأسف الجديد أن كثرة المساجد الفارغة هو أمر مُحزن فترى المسجد في المتوسط في الأحياء ما بين 15-20 صفا ولا يكاد يمتلئ منها في كل صلاة 4 أو 5 صفوف في أحسن الأحوال بل إن في صلوات الفجر قد لا يكتمل صف واحد في بعض المساجد فالأفضل من وجهة نظي أن نعيد تفعيل مسألة "مسجد" و"جامع" ونفعلها بحيث يكون في كل حي مساجد يستطيع أن يصل إليها كل أهل الحي بسهولة مشيا (مثلا في كل 200-250م مسجد) بحث يكون كل مسجد بمساحة صغيرة تكفي 150-200 مصل ويكون هنالك في كل حي جامع كبير في الوسط تُقام فيه الجُمعة وتكون به مكتبة وحلقات تعليم وما إلى ذلك بحيث يستطيع أن يتسع لـ 1500-2000 مصل على سبيل المثال



خلاصة الموضوع

يجب أن لا يؤذن أي شخص وأن يُحسن المسؤولون في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية اختيار الأئمة والمؤذنين ممن حَسُن صوتهم وعُرف حفظهم

يجب أن تكون هنالك قوانين واضحة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامين تحدد بالأرقام إعدادات الصوت والصدى بحيث لا يتم تجاوزها لكي تكون الأمور واضحة للناس فلا يعمل كل قائم مسجد على هواه بل تكون هنالك قواعد وضاحة لا لبس فيها

الأذان هو للإعلام بدخول الوقت وعلى الرغم من وجود الساعات وقنوات الراديو والفضائيات وبرامج الجوالات إلا أن ارتفاع الأذان هو رمز من رموز الإسلام ولا بدّ من ارتفاعه لنا كمسلمين .. والإقامة كذلك أما الصلاة ذاتها من وجهة نظري أرى أن يتم خفض الصوت فيها في السماعات الخارجية ..