إدرنه:
معظم السيّاح العرب في تركيا يكتفي بزيارة المناطق المشهورة في المدن والريف ، ولايكاد يتعدى (استانبول وبورصة وطرابزون وأوزنجول .. ) وقليل من يقصد تلك المدينة (إدرنه) .
وربما كانت قصيدة أمير الشعراء (أحمد شوقي) في رثاء تلك المدينة بعد سقوطها بيد البلغار في حرب البلقان عام 1912م من أهم الأسباب التي دفعتني لزيارتها ، حيث صمدت تلك المدينة للحصار خمسة أشهر ، وأبلى قائد الحامية العثمانية (شكري) ورجاله بلاء شديدا في الدفاع عنها وبذلو ا التضحيات الجسيمة دونها ، وكثير من التفاصيل والحوادث عن تلك الحرب والسلم والمفاوضات والاختلافات أوردها شوقي في تلك القصيدة التي مطلعها:
ياأخت أندلسٍ عليك سلامُ .. هوت الخلافةُ عنك والإسلام
تقع إدرنه في أقليم مقدونيا على حدود اليونان وبلغاريا ، وتبعد بحوالي 240كم إلى الشمال الغربي من استانبول ، وهي كبقية مدن تركيا تعبق بأجواء التاريخ وتحتضن طبقات جيولوجية من حضارات متراكمة لعصور مختلفة ..
هي مدينة تداولت السيادة عليها ممالك شتى ( الرومان من أيام الإمبراطور هدريان ، إلى البيزنطيين ، إلى الإغريق ، إلى العثمانيين ، والروس والبلغار .. ) كما أنه يسكن بها ويقيم أخلاط من مختلف الأقوام ( الأتراك والأرمن والشركس والغجر واليونان .. )
كانت (إدرنه) هي عاصمة الدولة العثمانية قبل الأخيرة ، أي منذ الفتح العثماني لإدرنه على يد السلطان مراد الأول وحتى فتح السلطان محمد الفاتح للقسطنطينية والتي أصبحت العاصمة بعد تبديل اسمها إلى (استانبول) ..
من أهم معالم (إدرنه) جامع السلطان سليم الثاني (السليمية) ، وهو تحفة معمارية كعادة الأتراك وبه أكبر المنارات في تركيا ، و"المقاول" الذي تعهد بناء هذا الجامع هو سنان باشا أعظم معماري عثماني حيث يقع تمثال لهذا المعماري أمام الجامع المذكور ..
في (إدرنه) أسواق رائعة مرصوفة ومزينة بالنوافير والتماثيل ، وهذا عدا الأسواق الحديثة والمتنوعة ، وكل ذلك مع لمسة من الجماليات والذوق والنظافة التي تشع من كل الأجواء ..
وأما الطبيعة فهي قطعة من طبيعة تركيا في كل الأرجاء ..
الرحلة من استانبول إلى إدرنه بواسطة القطار أو الباص أرخص وأوفر ..
عنوان قصيدة أحمد شوقي في ديوانه ( الأندلس الجديدة ) ، وقد كان أمير الشعراء متشائما أو غير واثق من استعادتها وهو يرثي إدرنه وكأنها قرطبة أو غرناطة التي ذهبت ولن تعود ، ولكنها عادت لتركيا ضمن بقايا ميراث الدولة العثمانية في أوروبا التي كانت تمتد وتبسط جناحيها على كل البلقان وحتى أسوار فيينا ..