طلال مداح " العاشق " حتى الرمق الأخير
يوم كان الورد شحيحاً ..غنى وردك يا زارع الورد .. بزغ صوته من خمائل الطائف .. مسربلا باللوعة ومحملاً بنداوة النسائم .. يوم كانت الفضاء مغلق اطل صوته في هجعة العيون لكي يغني .. لا لم يكن يغني .. بل كان يقرئ لنا كيف البياض الحاني يسقط في قلوبنا شلالاً من ضياء الكلمات .
في صوته تجلت منحة الرب ... واستطالت حنجرته حتى عانق الحقول .. فثملنا من سكرة الوجد .. ونحن نتعاطى هذا النشيد المقنن بالإبداع . كل فوضوية سكنت تلك الروح جملها الغناء ... وكل عفوية امتزجت بتلك الملامح المحببة تسامى بها الغناء .
صوته الموغل في الحنين ... صوته السادر في الدفء .. صوته الباعث على حب الحياة : كان قوت لنا .. كان اشتهاء الصدور عندما يستبد بها الوجع ... نديمنا وصاحبنا .. و رفيق شجن الليل كان ذلك الصوت .
غنى للنسيان ... وكأنه يلقن ذاكرتنا كيف هو النسيان ... كأنه يبصر كيف هي المسافة عندما تطول .. كان يخلد صوته في أوردتنا .. فتشربنا صوته وظل معنا خلودا .. لا يقبل مساومة النسيان .
في زمان الصمت .. توهجت الحنجرة .. لتربك الوادي .. ولتعلن حضور شذا الرسائل .. وعطرها كان يتوغل في صوته .. تجاوز بنا عبء البدايات .. صادر الجفاف لتزهر الحقول .. وليعاود الوادي النشيد
ببساطة العاشق ... طلب المحبة ( عطنى المحبة ) ... وبحيرة العشاق تموج الليل وهو يطلق تنهيدة اللوعة ( عطني في ليل الياس شمعة )
وهكذا لم يكن يطلب سوى الحب .... فاقبل عليه من كل جانب .. أحبوه طلال الإنسان ... طلال الفنان .. طلال العاشق
ولأنه كان يمارس بإتقان مع جمهور دور الإيثار ... تمكن من هزيمة الجميع ليظل الفنان الإنسان .. وأنت لا تدري أي صفة فيهما تقدمها على الأخرى.
وعادة العشاق والفرسان ان يختاروا المكان الضخم ليكتبوا ملامح أسطورتهم .. وهو اختار المسرح ليعلن لنا انه العاشق حتى الرمق الأخير .
