كيف تقيّمون الفيلم على السماع أو على كلام الإعلام وبدون أن تشاهدونه بأنفسكم ؟!!
صراحة أقنعني هذا المنطق المفحم من المنتج (محمد السبكي) ، وياليت (عبادي فنان العالم) يكمّل جميله وينزل الفيلم حتى نتفرّج ويكون الحكم على علم يقين وبعد سماع الشهود ، ولا نكون مثل "شاهد مشفش حاجة "!!
آثار الحكيم فنانة محترمة تتميّز بأداء رومانسي حالم ، وحتى أدوار الفتاة المنحرفة التي قامت بأدائها في بعض الأفلام ( فيلم النمر والأنثى) كانت راقية وبعيدة عن العري والإبتذال والفجاجة ..
ولكنها فيما يظهر اقتصرت على رؤية إعلان الفيلم وصورة هيفاء وهبي ذات الصدر المفتوح "على البحري" ، كما أن تعميمها وصف "ثقافة العري" على كل اللبنانيين من فنانين أو مذيعي برامج لم يكن موفقا ويبدو أنها تكتفي بمشاهدة قناة "المستقبل" وأخواتها ولم تعرّج على قناة المنار .. !!
إن لبنان بلد المتناقضات والمفارقات والتنوّع الفريد في كل الجوانب ، ولا يمكن اختزاله في لون فني أو ثقافي أو سياسي أو أيديولوجي أو طائفي أوحد ، إنّ الميزة الحقيقية في لبنان هي تلك الحرية الواسعة النطاق التي تتيح لكل المكوّنات والأفكار والمذاهب والفلسفات أن تتفاعل وتتجاور وتتعايش سويّا بدون إقصاء .. من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار .. ومن المحافظة وحتى التحرر والإباحية .. ومن العروبة والقومية والمقاومة وحتى الإنعزالية والشعوبية والتغريب .. بيروت " ذات الستمائة ألف وجه " كما كتب ذات يوم الدكتور مصطفى محمود ..
ولكن على الهامش من الموضوع يمكن تسجيل بعض الملاحظات ..
من حيث الشكل هذا التدخل الإداري الحكومي بمنع الفيلم يعتبر تعدّيا على صلاحيات جهاز الرقابة ، ووصاية على الإبداع الفني ، ولهذا السبب فقد تقدّم المخرج أحمد عواض ( رئيس الرقابة على المصنّفات الفنية ) باستقالته على الهواء في أحد البرامج التلفزيونية احتجاجا ..
وهو في رأيي منطق سليم ، ويستند أيضا إلى فلسفة الوظيفة "الأخلاقية" المفترضة للدولة ، والتي ترى أن مهمة الدولة هي الإدارة فقط لشؤون المواطنين ، وليس صياغة أخلاق المجتمع كما هو شأن الأنظمة الفاشية التي تصطدم دوما بالطبيعة البشرية عندما تحاول القضاء على التعددية والتنوّع في المجتمع وصب كل الأفراد في قوالب جاهزة .. كما أن رئيس الوزراء ( محلب) الذي أصدر القرار لم يشاهد الفيلم على الأرجح ، ولكن رضخ لبعض المطالبات ، وقد علّمتنا التجربة الثمن الباهظ للانصياع للمتطرفين أو المزايدة عليهم
وفي نفس الوقت فإن انتهاك الطفولة أمرٌ خطير ويجب التوقف عنده وعدم التساهل معه ، خاصة بعد أن تفشت جرائم الأطفال في المجتمع المصري بصورة مزعجة من القتل والإغتصاب .. وهي تهمة طالما وجهها النقاد والمتابعين لأفلام الإخوة السبكي ( أحمد ومحمد) كونهم ينتجون أفلام تروّج لنموذج الشاب "البلطجي" والذي صار قدوة في الإجرام لبعض المنحرفين مثل "عبده موته" ..
والإخوان السبكي أبناء رجل فاضل ، وجزار محترم عايش بما يرضي الله ، ولكن كما يقول المثل من خرج من "كاره" قلّ مقداره !