زيجات أسمهان
بدأت شهرة أسمهان في القاهرة منذ أن كانت في السادسة عشرة حيث بدأت تحيي الحفلات والأفراح وتتقاضى الأجور وتحسنت حال العائلة مادياً، فانتقلت إلى شقة في منطقة غاردن سيتي، وبعدها زارهم إبن عمها الأمير حسن الأطرش من أجل طلبها للزواج. والدتها رفضت في البداية، ذلك أن أسمهان بدأت تعيل العائلة وتدر عليها بعض الأموال، حسبما صرحت الراحلة فيما بعد. في ذلك الوقت كانت أسمهان ضعيفة ووالدتها تتحكم بآرائها وقراراتها. وبعد ذلك جيّش الأمير حسن الأطرش العشيرة ضد عالية المنذر، والدة أسمهان، وأبلغهم بأنها تغني في الملاهي وأن ولديها فريد وآمال يحترفان الغناء، فثارت ثائرة العشيرة، وخشيت الوالدة من العاقبة ومن بطش العائلة. وهكذا عاد العريس إلى مصر مرة ثانية ورتب الأمور وسجل لوالدتها منزلاً في دمشق ودفع لها مبلغ خمسمائة جنيه من الذهب تعتبر ثروة في ذلك الوقت وتوجهت أسمهان وابن عمها مع شقيقها فؤاد إلى جبل الدروز وتم الزواج وأصبحت تحمل لقب الأميرة آمال الأطرش.
لكنها بعد أن انفصلت عنه، عادت وتزوجت منه بعد سنوات، في الثالث من تموز عام 1941، بعد أن قررت اعتزال الفن والتفرغ للسياسة والأسرة حسب قولها، لكن هل هذا ما حدث بالفعل؟
كانت أسمهان تعمل بإدارة أحمد بدرخان في فيلم “انتصار الشباب” مع شقيقها الراحل فريد الأطرش، وبديهي أن يلتقيا يومياً ويتبادلا الآراء والأحاديث وتشكو ما تتعرض له من حسنين باشا والملك فاروق وغيرهما من المعجبين ويجتمعا إما في أحد المطاعم أو في استديو لبيب مصور الفيلم الفوتوغرافي، وكان بدرخان رقيقاً ولبقاً يحدثها حول خصوصياته أيضاً وحياته المضطربة وكان أن طلب منها الزواج في إحدى المرات وهي كانت بحاجة إليه لأسباب عدة، منها التخلص من بيت الأسرة حيث كانت تلقى الضرب المتواصل من شقيقها فؤاد، إضافة إلى أن أحمد بدرخان كان مخرجاً معروفاً في الوسط الفني، والأهم أنها كانت تعتبر أجنبية في القاهرة وزواجها من مصري يسهل الحصول على الجنسية المصرية. وبذلك كان زواجها العرفي من أحمد بدرخان، الذي لم يكمل الشهرين، ثم أنهاه الطلاق.
التقت أسمهان بأحمد سالم حين كانت تعمل في فيلم “انتصار الشباب”، كان يتردد أحياناً ويساعد في إدارة الفيلم، وهنا كانا صديقين، لكنها في الفترة التي أقامت فيها في القدس صدف أن حضر هو وتحية كاريوكا لبعض الأعمال فالتقى سالم بأسمهان في فندق الملك داود وتقاربا وحدث الزواج السريع وأمضيا أسبوعين في العسل حتى جاءها خطاب بالعودة إلى مصر حيث كانت وقعت عقد تمثيل مع شركة مصر للتمثيل والسينما.
بعد فترة بدأت أسمهان تتملل من الارتباط ومن غيرة أحمد سالم الشديدة عليها وهي التي اعتادت الحرية فدبرت اتصالاً له من تحية كاريوكاً لكي يكون نواة خلاف بينهما، لكنه أحس بالظلم وحاول الانتحار مرتين وكل مرة يتم إنقاذه وفي إحدى المرات حاول قتلها حين أطلق عليها النار من مسدسه ولم يصبها، هربت وطلب البوليس فأصاب أحد الضباط بعيار ناري وأصيب هو أيضاً بعيار من مسدسه وبعد أن شفي قدم للمحاكمة وسميت قضيته بمأساة أحمد سالم وأسمهان.
عملها مع الاستخبارات
يوم الجمعة 23 أيار 1941 اتصلت أسمهان هاتفياً بالتابعي وأبلغته أنها ستزوره في المساء، وهكذاكان. ففي هذه الجلسة استحلفته بالقرآن أن لا يبوح لأحد بكلمة مما ستقوله له. وحينها أفشت له سرّ معرفتها ببعض ضباط الاستخبارات البريطانية وأنهم اتصلوا بها خلال اليومين الماضيين لتكليفها بمهمة في الشام. وأنها سبق وزودتهم بمعلومات حصلت عليها من بعض السياسيين المصريين واكتشفت بذلك إنها الطريقة المثلى للحصول على المال.
وكشفت أسمهان بذلك الكثير من أسرار الاستخبارات الألمانية “الغستابو” في القاهرة، وألحقت بعملائهم وعملياتهم الجاسوسية أضراراً كبيرة، ولقي بعضهم مصرعه على أيدي الاستخبارات البريطانية، ونتيجة ذلك أصدروا حكماً بالتخلص منها، وعندما علمت الاستخبارات البريطانية بأن عميلتها مهددة بالإعدام قرروا تهريبها من مصر بتكليفها بمهمة جاسوسية جديدة في الشام عن طريق القدس.
وتحت تأثير الدهشة والذهول حذّرها التابعي خشية عليها، لكنها طمأنته بمعرفتها كيفية التصرف مع كبار الرجال فكيف بضباط الاستخبارات الذين كما وصفتهم، يحترمون المرأة وعملها معهم.
كانت بريطانيا تود من أسمهان أن تبذل جهودها لإقناع زوجها الأمير حسن الأطرش وعشيرته بالتعاون مع قوات بريطانيا التي تنوي الدخول إلى سوريا ولبنان لطرد قوات فيشي التي سلمت زمامها إلى الألمان.
وبذلك منحت بريطانيا أسمهان رتبة فخرية “ميجر” أو “رائد” لكي تنال امتيازات خاصة مالياً واستشفائياً لدى المستشفيات البريطانية كأي ضابط بريطاني عند الحاجة.
البداية كانت في الأول من أيار عام 1941، حين التقاها نابيير يوغن (كان يشغل منصب قنصل بريطانيا في دمشق، ثم انتقل إلى سفارة القاهرة في قسم الدعاية، وفي الوقت نفسه هو رئيس فرع الاستخبارات) وطلب منها لقاء والتر سمارت، حيث تناولت الشاي معه بحضور الجنرال البريطاني كلايتون وهذا طلب منها بصراحة السفر إلى القدس بالطائرة حيث سيقابلها أحد عمالائهم ويعطيها التعليمات ثم تسافر إلى عمان ثم سوريا. ودفع لها كلايتون مبلغ خمسة آلاف جنيه على أن يدفع لها في فلسطين أربعين ألف جنيه لتوزعها على رؤساء العشائر في سوريا.
حين عاتبها التابعي قالت له:
ـ أريد أن أخدم بلدي. وأضافت: قل لي في مصر أعمل إيه وأعيش منين؟ لقد سمعت كلام الناس عني بالحق والباطل. والحبة عملوها قبة. وأجري من إذاعة القاهرة لا يكفيني وما جمعته من السينما صرفته وأنا لا أحب الغناء في الأفراح والحفلات العامة. ولقد كنت أرجو بعد نجاح فيلم “انتصار الشباب” أن يقتصر عملي على السينما وحدها لكن ظهر العقد المبرم بيني وبين الدكتور بيضا يمنعني من العمل في أي فيلم آخر لمدة عامين وقد مضى منهما عام. بمعنى أن علي أن أدبر معيشتي عن طريق آخر غير السينما فماذا أفعل؟ هل أبقى في مصر وأرفض عرض الإنكليز؟
كانت أسمهان تعي قوة الدروز في ذلك الوقت وتأثيرهم المعنوي والعددي والسياسي في الواقع السوري، ولما كان الحلفاء ينوون الزحف إلى سوريا ولبنان فمن الهام أن تنضم قوة أولئك إليهم، وأن أسمهان هي أنسب صلة وصل والأكثر تأثيراً بهذه القوة بسبب حب ابن عمها وزوجها الأمير حسن الأطرش لها ومن هنا كانت هي واثقة من نجاح مهمتها.
وهذا ما كان حيث نجحت في إقناع عشائر الدروز من خلال الأمير حسن الأطرش بالانضمام إلى الحلفاء. ولكنها خلال جولاتها ورحلاتها بين القدس وجبل الدروز شعرت بمدى الخطر الذي أوقعت نفسها فيه وتمنت لو تستطيع العودة إلى القاهرة وتترك هذه المغامرة، لكنها كانت وصلت في منتصف الطريق الذي لا يمكن العودة إلى أوله، وكانت تقبض مخصصات ورواتب رؤساء العشائر وتدفعها لهم بانتظام وبخاصة بعد أن تزوجت الأمير حسن الأطرش مرة أخرى واستقرت في السويداء وهكذا هددتها الاستخبارات الألمانية والسلطات الفيشية بالتوقف عن مهمتها لكنها استمرت، مما اضطرها تحت الضغوط والخطر أن تغادر سوريا هرباً، وتحت جنح الظلام وعلى صهوة جواد، وقد دهنت وجهها باللون الأسود وارتدت لباس أحد العبيد بصحبة الأمير فاعور، الذي غادرها ما أن وصلا الحدود الفلسطينية. ومن هناك وصلت إلى فندق الملك داود، وحصلت نتيجة مهمتها على عشرين ألف جنيه، عاشت منها حياة بذخ ملأت بها ليالي القدس ولائم وسهرات.
وكانت النتيجة زحف القوات الفرنسية “قوات ديغول” والحلفاء نحو سوريا ولبنان وقضوا على القوات الفيشية واحتلوا البلاد.
كان علىالاستخبارات البريطانية أن تنتهي من أسمهان لأسباب عدة أولها إن أسمهان لم تلتزم بالصمت حيال الأسرار في وقت كانت أسمهان تذيع الأسرار بعد أن يستبد بها المشروب في السهرات والأمسيات، ثم أن أسمهان أثارت الشكوك حول بذخها والأموال الهائلة التي كات تصرفها وهي معروف عنها قلة أعمالها الفنية سواء في الغناء أم في السينما، وإن كانت زوجة أحد الأمراء. إضافة إلى تورطها بالسفر مع العميل الألماني فورد، حين أعادتها السلطات البريطانية من الحدود السورية ـ التركية وهذه هفوة سجلت في ملف أسمهان المهني ، الاستخباراتي.
أفلامها
لم يتسن لأسمهان تثبيت أقدامها كممثلة ومغنية في عالم السينما، لانشغالها طوال سنوات، بزواجها المتذبذب من ابن عمها حسن الأطرش، وعملها مع المخابرات وهذان الأمران تطلبا منها تنقلات دائمة بين دمشق وبيروت والقدس والسويداء والقاهرة، في فترة تعتبر طويلة نسبة لحياتها القصيرة.
لو تسنى لها العيش مدة أطول، لاستطعنا أن نشهد إمكانات أكثر وأفلام أخرى، ربما، ولتمكنت أسمهان من إثبات موهبتها في التمثيل أيضاً ولنافست بذلك ليلى مراد التي احتلت عرش السينما الرومانسية والاستعراضية فيما بعد. فحياة أسمهان المليئة بالعذابات تركت أثرها على ملامح الوجه، وأودعت الحزن في عيونها الواسعة المتلألئة دوماً بالدمع وغياب البسمة عن ثغرها، وجسدها الناحل المتعب، كل ذلك يضاف إليه إن أول أدوارها في السينما، هو نفسه أول أدوار حياتها الحقيقية، مثلت في “انتصار الشباب”من دون أن تمثل، لأنها عاشت اللحظات نفسها مع شقيقها فريد الأطرش، فكان فيلمها الأول الذي أخرجه أحمد بدرخان ولحن فريد أغنياته،وشاركهما التمثيل حسن فايق وبشارة واكيم.
“غرام وانتقام” فيلمها الثاني والأخير الذي لم تنهه بنفسها بل القدر أنهاه بغرقها.
عام 1944 كتبه وأخرجه الراحل يوسف وهبي، لحن أغانيه فريد الأطرش، شاركها التمثيل أنور وجدي ومحمود المليجي.
أقوال في صوت أسمهان
ـ الملحن الكبير داود حسني الذي كان له صيته يومذاك، أطلق عليها اسم أسمهان، إذ استقبله فريد المطرب الناشئ، غنى أغنيات من ألحان حسني، ومن ثم سمع آمال تغني في غرفتها فطلب إحضارها وغنت أمامه فدمعت عيناه وقال:
“… كنت أرعى فتاة تشبه آمال وصوتها الجميل إلا أن الموت كان أسبق لها من الشهرة، لذلك فأنت من الآن ستحملين اسمها الفني (أسمهان).
ـ محمد القصبجي زار عائلة أسمهان في حي الفجالة، وسمع صوتها وقال: “…هذا صوت من الجنة.”
ـ رياض السنباطي قال: “إن أسمهان هي المطربة العربية الوحيدة التي وصلت إلى مرتبة منافسة أم كثلوم، رغم قصر عمرها الفني.
ـ الشيخ محمود صبح سمع أسمهان تغني لأم كلثوم فقال: “…عندما ينضج صوتك يا أسمهان سيكون لك شأن عظيم.
ـ محمد عبد الوهاب قال: “… إن أسمهان فتاة صغيرة لكن صوتها صوت امرأة ناضجة.”
ـ محمد محمود خليل، الوزير السابق ورئيس مجلس الشيوخ في مصر أيام الملك فاروق، بعد أن سمعها للمرة الأولى تغني قال:
“… البنت دي تقدر تكتسح عالم الغناء في مصر فهي جميلة ومهذبة ومتعلمة وبنت أصل وصوتها جميل.
ـ حسب الموسيقي سليم سحاب، فإنه لم يكن ثمة جدل في عظمة صوت أسمهان. لكن الجدل كان في المفاضلة بينها وبين أم كلثوم، سيدة الغناء العربي بلا منازع.
ـ فريد الأطرش قال إنها ربما تنافس أم كلثوم عبر ألحان القصبجي، لو تسنى لها العيش سنوات أطول.
فيما يخالفه الرأي الناقد المصري كمال النجمي في كتابه “الغناء المصري”، حيث قال إنه لو قدّر لأسمهان أن تعيش عمراً أطول لما كان في مقدورها أن تنافس أم كلثوم، على رغم عظمة صوتها وإحساسها وأدائها، لأنها كانت تحيا حياة صاخبة، فلا تُعنى بصحتها وسلامة حنجرتها، والدليل جهد صوتها في أغنيات فيلم “غرام وانتقام”.
النهاية
أحست أسمهان بالإرهاق إبان تصويرها لفيلم “غرام وانتقام” فأخذت إجازة من مخرجه يوسف وهبي لتذهب إلى منطقة رأس البر ترتاح فيها بضعة أيام على شاطئ البحر مع صديقتها ماري قلادة.
استقلت السيارة في الثامنة من صباح الجمعة 14/7 1944 وجلست مع قلادة في المقعد الخلفي، وحين وصلت السيارة إلى منطقة بين قرية طلخا ومدينة المنصورة اعترضها مطب وفقد السائق سيطرته على السيارة وانحرفت بسرعة وسقطت إلى يمين الطريق حيث الترعة، فرع من النيل، وهي نهر عمقه ثلاثة أمتار وفي هذه اللحظات استطاع السائق أن يقفز من السيارة ولم يصب بأذى في حين سقطت السيارة بأسمهان وماري في الماء بسرعة وغمرتها المياه قبل أن يتمكن أحد من إنقاذهما.
وساد الاعتقاد بعد ذلك وحتى الآن، إن السائق تم تدريبه من قبل الاستخبارات البريطانية لأجل إنهاء حياة أسمهان بهذا الشكل المفجع، إذ تمت تصفية الكثير من الأسماء المعروفة بهذه الطريقة. رغم أن أسمهان تعرضت إلى محاولات اغتيال سابقة، أو حوادث قد تكون صدفة لكنها كانت قاتلة نجت منها بأعجوبة. وقد أشارت أصابع الاتهام إلى جهات عدة أخرى، منها شقيقها فؤاد الذي كان غاضباً منها والملك فاروق الذي رفضته ولم تستجب لنزواته، والملكة نازلي بسبب تحديها الدائم لها وأخرى لأم كلثوم التي أشيع أنها كلفت السائق بالتخلص من أسمهان، لأنها كانت منافستها على قمة الغناء، ثم زوجها أحمد سالم رغم توقيفه بتهمة محاولة قتلها.
يذكر أن أي ذكر للسائق لم يرد في التحقيقات أو المقالات أو الاتهامات ولم يعرف مصيره حتى اليوم.
يوم ماتت أسمهان انتحر شاب عراقي في بغداد كان من عشاق صوتها، إذ ألقى بنفسه في نهر دجلة. وفي دمشق حاول شاب آخر الانتحار متناولاً كميات من الدواء وأنقذ في المستشفى، وفي بيروت انتحرت فتاة لبنانية ملقية نفسها من أعلى صخرة الروشة.
دفنت في أرض النيل كما دفن إلى جوارها فيما بعد الراحل فريد الأطرش حسب وصيته. وهكذا سميت فيما بعد عروس النيل وهي التي غنت “أنا بنت النيل” لتنهي بغيابها رحلة قصيرة، شاقة، تاركة صوتها يرن في أرجاء المعمورة.
يذكر أن مواقع ألكترونية خصصت لها في الآونة الأخيرة على الأنترنت من قبل عشاقها، بعد أن كتبت عنها كتب عديدة، ومقالات لا تحصى، في الصحافة اليومية والأسبوعية العربية، وكاسيتاتها تملأ الإذاعات، والفضائيات تستعيد بعضاً من مشاهدها الاستعراضية القليلة في فيلميها.صوتها ما يزال المدرسة التي تنهل منها عاشقات الغناء في الشرق في محاولات منهن بلوغ ذروة هذا الصوت من دون الوصول إلى هذا الهدف، وكم من محاولات سينمائية لإنتاج قصة حياتها فشلت حتى الآن ولم نعرف أسباب الفشل، لكن يبقى التمني أن يرى فيلماً عن أسمهان النور ليكون عبرة للأجيال وليوثق لحياة فنانة تركت أثراً في الغناء العربي الجميل.
اختلفت الدراسات حول تاريخ ولادة أسمهان. فحسب سعيد الجزائري، في كتابه “أسمهان ضحية الاستخبارات” فإن أسمهان ولدت في 25 تشرين الثاني عام 1912 في الباخرة التي أقلتها ووالديها إلى بيروت برفقة أخويها فؤاد وفريد. لكن فيكتور سحاب في كتابه “السبعة الكبار” يذكر أنها ولدت في 24 تشرين الثاني عام 1917، وفي مقالات صحفية أخرى نقرأ أنها ولدت في العام 1918.
ونحن نميل إلى التاريخ الأول الذي ذكره الجزائري، وكرره أكثر من مرة وموقع في كتابه المذكور، أي العام 1912، ذلك أن الباحث سحاب يذكر في كتابه، إن أسمهان غنت في مرحلة عمرها الفني الأولى (1932 ـ 1933) أغنيات: “كنت الأماني”، “كلمة يا نور العيون”، و”أين الليالي”، من ألحان محمد القصبجي. وأغنية “هديتك قلبي” للشيخ زكريا أحمد. ويقول سحاب: “…وكان صوتها آنذاك مفتوحاً وحاداً…”. فإن كانت من مواليد 1917 حسبما ذكر، فهذا يعني إن عمرها في العام 1932 هو 15 سنة، وبذلك يساورنا الشك أن يكون الصوت مفتوحاً لهذا الحد الذي تمتلكه الخبيرات، أما حدته فهو من حال أصوات الأطفال عموماً والفتيات في هذه السن، لا كما هو صوت المرأة الناضج. لكن لو صحّ أنها من مواليد عام 1912 فإن عمرها يقترب من العشرين ربيعاً حين غنت للقصبجي وزكريا أحمد الأغنيات المذكورة، وفي هذه السن يكون الصوت بالفعل مقترباً من النضوج ـ إلى حدّ ما ـ ويكون مفتوحاً وواضحاً وحاداً، وبذلك يكون في العام 1938ـ حسب سحّاب ـ “… بدا تمكن أسمهان من أصول الغناء التقليدي في أغنية للقصبجي ليت للبراق عيناً … في المرحلة الثانية من عمرها الفني، وبالفعل تكون أفادت كثيراً من الأصوليين أمثال داود حسني ومحمد القصبجي…”.
***
آمال فهد الأطرش، أو أمل أو بحرية أو إميلي فكل من زوجها ووالديها وراهبات المدرسة الانكليزية وغيرهم كان يحلو له أو يرغب بتسميتها حسب رغبته. فيما المعروف أن اسمها الفني “أسمهان” أطلقه عليها كما أسلفنا الملحن الكبير داود حسني.
***
والدها فهد الأطرش، مدير ناحية في قضاء ديمرجي في تركيا. والدتها عالية المنذر.
استقر والدها في بيروت بعد تعيينه معتمداً عن الدروز، من قبل المفوض السامي الفرنسي. وتوفي بعد اندلاع المعارك بين الفرنسيين والدروز في لبنان .
***
غادرت والدتها برفقتها وأخوتها الأربعة فؤاد وفريد وأنور ووداد إلى الاسكندرية ثم القاهرة، حيث استقرت في حي الفجالة الشعبي. وفي البداية عملت الأم في الأديرة لتعتاش وتربي أولادها، وكذلك على بعض الإعانات ثم توفي أخواها أنور ووداد.
***
شقيقها الأكبر فؤاد، عمل مساعداً لطبيب أسنان بعد أن كبر وأدخلت أسمهان المدرسة الإنكليزية، وهناك كانوا ينادونها “إيميلي”، ثم بدأت مواهب فريد الفنية تظهر وهو مايزال بعد تلميذاً في مدرسة الفجالة الابتدائية، حيث بدأ الغناء في المدرسة وفي بعض الحفلات الخاصة، ثم في الإذاعات المحلية إلى أن وصل إلى إذاعة القاهرة واحترف الغناء فيما بعد.
***
كانت آمال تشارك فريد ولعه بالموسيقي والأحلام الفنية، كانت تغني لنفسها ولوالدتها التي كانت تشجعها مع شقيقها فريد، ولذلك دخلت أسمهان أجواء الغناء والحفلات.
***
بدأت في الخامسة عشرة، تتعلم على أيدي الملحنين أمثال داود حسني ومحمد القصبجي وغيرهما. فيما كانت على خلاف دائم مع شقيقها فؤاد ويصل الأمر في غالب الأحيان إلى ضربها وهروبها من البيت.
***
تزوجت ابن عمها حسن الأطرش وأنجبت منه خلال سنوات الزواج التي استمرت من 19الى 1939، بنتاً أسمتها كاميليا.
***
تنبأ لها أحد الفلكيين المعروفين “الأسيوطي” بأنها ستكون ضحية حادث وستنتهي في الماء. وهذا ما حدث، إذ غرقت سيارتها في ترعة ماء أثناء توجهها إلى رأس البر.
سحر طه – المستقبل