'
'
'
أحاول الولوج هنا إلى منطقة شائكة وقع حولها لغط كبير وهو مايدعى قديما ب " الطب النبوي " الذي ألفت حوله كتبا أشهرها كتاب ابن القيم " الطب النبوي " ..
فأقول : قديما فطن المفكر ابن خلدون لهذا اﻷمر الشائك وتناوله في " المقدمة " بتحليل فحواه أن مايدعى بالطب النبوي ليس من النبوة في شيء وأنه اعتقاد زائف وما هو إلا من أنواع اﻷدوية التي كانت تستخدمها العرب في بداوتهم آنذاك وأن النبي لم يبعث طبيبا بل كان يستشير " أطباء " العرب على بساطتهم آنذاك .
هذا نص ابن خلدون ( والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل وليس من الوحي في شئ، وإنما هو أمرٌ كان عادياً للعرب ووقع في ذكر أحوال النبي (ص) من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلة، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل، فإنه (ص) إنما بُعث ليعلمنا الشرائع ولم يُبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات،
وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع، فقال: أنتم أعلم بامور دنياكم؛ فلا ينبغي أن يُحمل شئ من الطب الذي وقع في الأحاديث المنقولة على أنه مشروع، فليس هناك ما يَدل عليه)
ثم إنني ههنا أريد أن أشير في عجالة إلى قضية بالغة اﻷهمية ومغيبة عن كثير من المسلمين ألا وهي
" بشرية " النبي (ص) وأنه إنسان يخطئ في غير مايوحى إليه ودليله نص القرآن في آيات كثيرة تعاتب النبي على خطأه منها :
عبس وتولى أن جاءه اﻷعمى
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ..
عفا الله عنك لم أذنت لهم ..
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)
وآيات كثيرة تؤكد على أنه بشر ( إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي )
وأحاديث كثيرة يبين فيها النبي أنه بشر يخطئ في اﻷمور الدنيوية
منها حديث تأبير النخل عندما أشار إليهم بشيء وتبينوا خطأه
فقال لهم : إنما قلت ذلك ظنا مني وأنتم أعلم بأمر دنياكم أما ما أخبركم به عن الله عز وجل فإني لم أكذب على الله رواه مسلم
ثم إن الصحابة كانوا يميزون بوضوح كون النبي يصدر عنه الوحي بصفته رسول مبلغ كما يصدر عنه اﻷمر بصفته بشرا وهذا يبدو جليا في مشورته للصحابة في غزوة بدر بأن يتخذوا موضعا قتاليا يعسكرون فيه
فسأله الحباب بن المنذر : أهذا أمر موحى إليك من الله أم هو الحرب والمكيدة فقال له النبي : بل هو الحرب والمكيدة
فقال الحباب بن المنذر : إن هذا ليس بمنزل .
واقترح على الجيش أن يتخذوا موضعا استراتيجيا بحيث أنهم يمنعون الماء عن العدو .
أما رسالته وعصمته فهي في تبليغ الوحي المنزل
( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )
ثم إن كثيرا من الذين يلهجون " بالطب النبوي " تجدهم أسرع الناس إلى التداوي في أكثر المستشفيات الغربية تطورا وحداثة